محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

ترامب.. بالسادس الابتدائي!

حينما حلل باحثون من جامعة كارنيغي ميلون العريقة، خطب مرشح الرئاسة الأميركي دونالد ترامب، باستخدام معادلة رياضية يجريها الحاسوب، تبين أن قواعد النحو والمفردات المستخدمة لا تتجاوز مستوى طفل في الفصل السادس والسابع الابتدائي! وكان يتنافس مع الرئيس بوش الابن في ضحالة خطبهما، لكونهما الأدنى مستوى في هذا الجانب، مقارنة بالمرشحين السابقين منذ عهد الرئيس لنكولن الذي «ما زال مثلا يحتذى»، بحسب ما ذكره معهد تكنولوجيا اللغة LTI في موقع الجامعة الإلكتروني.
وحتى حينما حاولت «بوسطن غلوب» قبل أيام إجراء اختبار القراءة عبر تقنية Flesch - Kincaid التي تحسب بطريقة رياضية معدل طول العبارات والمقاطع الصوتية للكلمات syllables، تبين أن ترامب جاء بمستوى طالب في الفصل الرابع، أي أدنى بمرحلتين من منافسيه.
ربما يعتبر القارئ هذه النتائج تحاملا من الباحثين ضد ترامب، لكن الأرقام تظهر أيضا أن «الشق عود» كما نقول باللهجة الكويتية، إذ إنه حتى هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي وغريمة الجمهوري ترامب، فضلا عن كل المرشحين السابقين لم تتجاوز مستويات خطبهم طلبة في الفصل السادس والثامن.
ما يثير الاهتمام هنا أنه في خضم التنافس الانتخابي هناك من وجد «معيارًا» واحدًا على الأقل يقيم فيه جانبا من مشهد مهم في الساحة الأميركية. ولم يختر هؤلاء أسلوب الغوغائية أو التشهير أو إلقاء التهم جزافا على مخالفيهم. وهذا ما يجرنا لأهمية تأمل كيف نتعامل نحن كأفراد وجماعات ضغط في المجتمع مع قضايانا. سواء كان ذلك مع مرشحي الانتخابات أو غيرهم من الفاعلين بالمجتمع، لا سيما من نخالفه الرأي.
فلو تخيلنا أننا خففنا من حدة الهجوم الكاسح الذي نشنه على الشخصيات العامة بالمجتمع، واخترنا معيارًا أو مقياسا نتابع فيه بإنصاف أداء منظمة أو شخصية عامة ثم نعرضها للعامة بتجرد من دون تجريح، فأي خدمة مهنية يمكن أن نقدمها للمجتمع. وهذا ما يجب أن تفعله جماعات الضغط والنقابات ومؤسسات الفكر Think Tank لتنوير الرأي العام، وتقويم اعوجاج أداء المؤسسات العامة والخاصة.
الأمر يحتاج إبداعا ومسؤولية في تناول قضايا المجتمع مثل تلك الحملات التي بدأت ترصد بالصور المؤسسات العامة، في حكومات تطالب الشعب بترشيد الإنفاق فيما تترك مبانيها طوال الليل مضاءة في تناقض محير ومؤلم، أو تلك الحملة التي قادها ناشط ضد شركات اتصالات (ليس فيها هيئة تراقبها في بلده) بتصوير إشارة إرسال الهاتف في أماكن متفرعة من بلاده، ثم يترك الحكم للمشاهدين.
نحتاج كعرب إلى استبدال الهجوم الانفعالي ضد الشخصيات والمؤسسات العامة، بحملات وطنية إبداعية بناءة تردع المتسيبين وتثني على المحسنين.. وما أكثرهم من حولنا.