مايكل شومان
TT

هل تستمر اليابان كمعمل للابتكار الاقتصادي؟

على مدار الأعوام الـ70 الماضية، عملت اليابان كبوتقة للتجارب على صعيد السياسات الاقتصادية. وخلال سنوات ازدهارها، تحولت الإجراءات غير العادية التي لجأت إليها اليابان لدفع عجلة النمو الاقتصادي سريعًا، إلى نموذج لكثير من باقي أرجاء آسيا.
في الوقت ذاته، فإن محاولاتها غير التقليدية لإحياء اقتصادها الذي يمر بفترة ما بعد الفقاعة ساعدت خبراء اقتصاديين على تفهم ما ينبغي، وما يمكن فعله، للتعافي من أزمات مالية.
الآن، قد تعرض اليابان على العالم درسًا آخر في علم الاقتصاد - الحدود القصوى لفاعلية السياسة النقدية ذاتها.
كان محافظ مصرف اليابان، هوراهيكو كورودا، قد أحبط المستثمرين، يوم الجمعة الماضي، عندما عرض حزمة تعزيز ضعيفة في إطار برنامجه لشراء الأصول، باعتبارها أحدث جهوده للتغلب على الانكماش وزيادة معدل النمو. وفي ظل الحديث عن «مال الهيلكوبتر»، واستراتيجيات غريبة أخرى، أقنع الكثيرون أنفسهم بأن مصرف اليابان سيحاول مفاجأة الأسواق عبر قرارات أكثر دراماتيكية. وسرعان ما تعالت الأصوات لاتخاذ إجراءات أوسع نطاقًا.
من جانبه، كتب الخبير الاقتصادي مارسيل ثيليانت، من مؤسسة «كابيتال إكونوميكس»، مؤخرا قائلا: «لا نزال ننتظر من المصرف فعل المزيد».
وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده، أصرّ كورودا على أنه لم ينتهِ بعد - فلا تزال هناك مزيد من السندات لشرائها، ومزيد من إجراءات خفض معدلات الفائدة. بيد أن الحقيقة أنه في هذه المرحلة، وبعد مرور ثلاث سنوات على انطلاق برنامجه الراديكالي لإعادة إطلاق الاقتصاد الياباني، فإن مصرف اليابان ربما أصبح قوة مستهلكة. ومثلما شرح فريدريك نيومان، الخبير الاقتصادي لدى «إتش إس بي سي»، في تقرير له من أن «القرارات الصادرة اليوم توحي بأن مصرف اليابان قد وصل أقصى حدود إطار سياسته الراهنة».
وفي الواقع، لقد استخدم كورودا بالفعل جميع الأسلحة المتاحة أمامه في نضاله لإنقاذ الاقتصاد الياباني. ومن خلال برنامجه المكثف للتخفيف الكمي، يملك المصرف الذي يترأسه الآن ثلث جميع السندات الحكومية مستحقة الأداء، ويعتقد بعض الخبراء أن هناك حدودا لقدرته على شراء المزيد والمزيد منها. واللافت أن العائدات على كثير من هذه السندات أصبحت سلبية بالفعل. وقد ارتفع إجمالي أصول مصرف اليابان لأكثر من الضعف في غضون السنوات الثلاث الماضية فحسب.
وحتى إذا تمكّن كورودا من توسيع نطاق برنامجه، فإن ثمة أسبابا تدعو للاعتقاد بأن هذا لن يحدثَ اختلافًا كبيرًا. عند هذه النقطة، فإن إقرار مزيد من الخفض لمعدلات الفائدة، أو مزيد من شراء السندات، سيأتي على هامش إجراءاته الأخرى. ولم تفلح مثل هذه الإجراءات التي اتخذها حتى الآن في دفع الاقتصاد كثيرًا. وتشير إحدى المؤشرات الجوهرية إلى أن الاقتصاد سقط على نحو أعمق في هوة الانكماش، في يونيو (حزيران) الماضي. وفي وقت سابق من الشهر، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بخصوص معدل نمو الاقتصاد الياباني عام 2016 إلى مستوى هزيل يبلغ 0.3 في المائة فقط.
والحقيقة أن مصرف اليابان بإمكانه ضخ نقد في الأسواق كيفما شاء، لكن طالما أن الشركات والمستهلكين لا يستغلون هذا النقد في الاستثمار والإنفاق، ستبقى هذه الإجراءات من دون قيمة حقيقية. وفي الواقع، لم تعمل الحكومة على دفع الإصلاحات الحيوية التي من شأنها إطلاق فرص جديدة وإقناع المستثمرين بالاقتراض والبناء والإبداع، وهي إصلاحات تتنوع ما بين نزع القيود وإصلاح سوق العمل.
وقد يشير البعض إلى أن اليابان كان من الممكن أن تكون في وضع أسوأ بكثير من دون الإجراءات التجريبية التي اتخذها كورودا، لكن في ظل توفير هذا المال الوفير مثل هذا التأثير الهزيل، يتضح أننا بحاجة على الأقل لطرح التساؤلات بخصوص ما إذا كان المزيد من إجراءات التخفيف ستحقق شيئًا يذكر.
وحقيقة الأمر أن المزيد من الإجراءات بهذا الاتجاه من الممكن أن تخلف تأثيرا سلبيًا، من خلال زيادة الضغوط على المصارف، ومعاقبة المدخرين. كما أن مثل هذه المخاوف ستتفاقم بمرور الوقت. لذا، فإنه رغم أن كورودا قد يكون مضطرًا للتظاهر بأن المجال أمامه للمناورة لا حدود له، كي يتجنب إثارة الذعر بالأسواق، فإنه في الواقع يواجه مخاطرة شديدة بأن يخيب آمالها مجددًا، بالنظر للقيود الكبيرة التي يواجهها.
ويحمل هذا الموقف دروسا مستفادة مثيرة للقلق بالنسبة للمصارف المركزية الأخرى. فعلى سبيل المثال، يقف ماريو دراغي، رئيس المصرف الأوروبي المركزي، في موقف مشابه للغاية لموقف كورودا، حيث يعمل تحت وطأة ضغوط مستمرة كي يتخذ خطوات أكثر راديكالية نحو دفع عجلة التضخم والنمو. وهنا، ينبغي النظر إلى تجربة كورودا كإنذار بأن مصرفه قد يصطدم بجدار نهاية الأمر.
في الصين، حيث يعمل صانعو السياسات على تخفيف القيود على المال لدفع عجلة النمو، تأتي محنة مصرف اليابان لتثبت أن توسيع دائرة ضخ النقد من دون تنفيذ إصلاحات هيكلية حقيقية لا يحقق الكثير.
وقد يكمن أمل كورودا الوحيد الآن في المضي قدمًا في سياساته غير التقليدية، واتخاذ قرارات أكثر راديكالية - مثل إقراض المصارف بمعدلات فائدة سلبية. وربما ستستمر اليابان كمعمل للابتكار الاقتصادي، لكن ما من أحد يضمن النتائج.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»