د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

ما بعد جريمة نيس في فرنسا

في الوقت الذي نددت وأدانت الدول العربية والإسلامية العملية الإرهابية في نيس بفرنسا التي راح ضحيتها أكثر من 84 قتيلاً ومئات الجرحى، أكد الجميع أن مرتكب الجريمة لا صلة له بالإسلام وتعاليمه السمحة.
وفي الغرب نجد الدول الأوروبية، ومنها فرنسا، تتخذ سياسات جديدة حتمًا ستؤثر في الجالية العربية والإسلامية المقيمة في الدول الغربية... فالرئيس الفرنسي لأول مرة يتحدث عن «الإرهاب الإسلامي» في بلاده ويعلن أن فرنسا في حالة حرب مع «داعش» وأكد أن بلاده سوف تتخذ إجراءات حاسمة لمنع تكرار ما حدث في باريس ونيس. الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي زعيم المعارضة التي تنتمي إلى يمين الوسط دعا إلى طرد أي مواطن أجنبي له صلات بالمنظمات الإسلامية المتطرفة في فرنسا.
هنالك شعور متزايد في الغرب بأن العمليات الإرهابية في نيس لن تكون نهاية العمليات الإرهابية، لأن تنظيم داعش يؤمن أنصاره بأنهم الذين يحملون راية الإسلام الصحيح وأن ما عداهم من المسلمين في ضلال مبين، وأن مهمة «داعش» الرئيسية تنظيف دولهم ومجتمعاتهم الضالة وأن ما يقومون به هو أمر إلهي رباني، لذلك من المتوقع أن تمتد حروب الإرهاب ليس في المحيط العربي الإسلامي الذي بدأ يحاربهم ويقصيهم في أكثر من دولة، فهزائم مقاتلي «داعش» وفشلهم في عدم الوصول إلى السلطة في أي بلد عربي تدفعهم لنقل عملياتهم للدول الغربية الديمقراطية المسالمة، حيث توجد جاليات عربية وإسلامية كبيرة يقدر عددها في فرنسا وحدها ما بين 6 - 7 ملايين مسلم.
من المفارقات الغريبة أن مواطني الدول الغربية الديمقراطية التي رحبت واحتضنت الملايين من اللاجئين العرب والمسلمين من منطلق إنساني نجدهم اليوم شعوباً قبل الحكومات يطالبون باتخاذ سياسات شديدة وحازمة ضد المهاجرين العرب والمسلمين... فازدياد وتيرة الإرهاب في الدول الغربية المسالمة أدت إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا، فهذه الشعوب متخوفة من تزايد وتيرة الإرهاب في بلدانها الآمنة لذلك لا غرابة من ازدياد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة لأن قادة هذه الأحزاب يطرحون حلولاً جذرية لمحاربة الإرهابيين تتلخص في منع دخول العرب والمسلمين والتضييق على الجمعيات الإسلامية وترحيل المشايخ والدعاة وأئمة المساجد المتطرفين.
السؤال الذي علينا طرحه هنا: ماذا أعددنا نحن العرب من سياسات طويلة الأجل لمحاربة الإرهاب في بلداننا والعالم، خصوصاً أن الحلول الأمنية والعسكرية لم تردع الإرهابيين وتحد من نشاطهم ولم تمنع مروجي الإرهاب ومموليه من التمدد في مجتمعاتنا؟
جماعات الإسلام السياسي تعادي الغرب ومفاهيمه العصرية لأنها تعي تمامًا أنها غير قادرة على تولي الحكم في الدول التي في طريقها إلى الحداثة والعصرنة داخل المنطقة العربية وبناء نموذج بديل وفعال للحكم قائم على معالجة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه العالم العربي - الإسلامي... محاربة الإرهاب تتطلب تغييرات جذرية في مجال التعليم وتحديث المجتمع وفرض هيبة الدولة من خلال دولة القانون.