مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الله أكبر.. الله أكبر

أولاً: عيدكم مبارك
ولكن قبله ومع دخول شهر رمضان قررت أن أروض عفاريتي، لهذا امتنعت عن الأكل والشرب واللعب والكتابة والقراءة والحب الدنيوي بقدر ما أستطيع.
وبعد معارك طاحنة اكتشفت أنها هي التي روضتني بقدر ما روضتها، وخرجنا بعدها متعادلين بل ومتصالحين يحدب بعضنا على بعض، خصوصًا أن أيدينا لم تلوثها الدماء.
لقد اعتكفت معها في منزلي، بعد أن أغلقت أبوابي ونوافذي وأسدلت ستائري وأطفأت أنواري وتواريت عن الأنظار كأي قط أليف.
ومن ضمن اكتشافاتي التي سجلتها دون كتابة، أن عفاريتي، الإناث منهم على وجه الخصوص، والذكور كذلك، كلهم مسالمون وضحوكون ويتحلون بالرومانسية المفرطة.
وغلبني الأسى عندما اكتشفت أن الإنسان في مجمل حياته ليس حرًا، وأن حريته الحقيقية لا تتعدى سوى عدة دقائق أو ساعات من ولادته، وذلك قبل أن يفرض عليه اسمه وجنسيته ودينه ومذهبه، وبعدها يظل طوال حياته يرسف في هذه الأغلال إلا من رحمه ربي.
وهالني مقدار الحقد والكراهية التي تغلغلت في قلوب بعض البشر من المسلمين ضد إخوانهم لمجرد أنهم يختلفون معهم في المذهب مثلًا، ولا وسيلة هناك تفرح قلوبهم أكثر من القتل، وكأن الأرض على رحابتها ليس فيها متسع للتعايش والمحبة.
فمن أي طينة خلق مثل هؤلاء البشر؟! ومن أي صخور قدت قلوبهم؟! وما هي أصناف عفاريتهم؟! ألا يتعبون من هذا الكم الهائل من الحقد والكراهية؟!
إنني والله لفي حيرة من هذه المراهقة المجنونة، التي عجز المسلمون والعرب بالذات عن تخطيها، وكثيرًا ما أتساءل: إلى متى والعقول عندنا مغيبة؟! إلى متى ونحن عميان، وكأننا خلقنا دون أعين، لا نشاهد النماذج الخلاقة من الأمم الأخرى التي تعمل وتبدع وتتعايش مع بعضها البعض؟!
ولقد أحزنتني وعذبتني تلك الكلمة الصادقة الصادمة التي تفوهت بها مستشارة ألمانيا السيدة (ميركل) في القمة الحكومية بإمارة دبي عندما قالت: الهند والصين لديهما أكثر من (150) رباً، وأكثر من (800) عقيدة مختلفة، ومع ذلك يعيشون بسلام مع بعضهم البعض، بينما المسلمون لديهم رب واحد، ونبي واحد، وكتاب واحد، لكن شوارعهم تلوثت باللون الأحمر من دمائهم.
القاتل يصرخ: الله أكبر، والمقتول يصرخ: الله أكبر. انتهى.
حتى ذلك المرشح الجمهوري المتطرف (ترامب)، الذي استغل الفرصة عندما أفسح له المجال لأن يقول بما معناه: يا ليت المسلمين يصومون عن قتل بعضهم بعضاً، بدلًا من صيامهم عن الطعام.
ومع الأسف فكلامه فيه شيء من الصواب.