بول كروغمان
اقتصادي اميركي
TT

التجارة والوظائف... ملاحظات

بالنظر إلى خطاب دونالد ترامب حول السياسة الاقتصادية - حسنا، «خطاب السياسة» - يبدو أن الوقت قد حان للحديث عن التجارة والوظائف، وهي المسألة التي اعتدت الكتابة حولها كثيرًا. كان الحديث الكبير في الأوساط الأكاديمية والسياسية مؤخرًا يدور حول أعمال أوتور وآخرين، وهو الذي قدر من خلال ورقتين بحثيتين الخسائر الكبيرة لاختراق الواردات الصينية على الاقتصاد الأميركي. وإنني أتفق من حيث المبدأ مع استنتاجاته، وعلى أدنى تقدير عندما نتحدث عن العمالة الصناعية في البلاد. ولكنني أشعر بانزعاج كبير من بعض القضايا المفاهيمية الأخرى، والتي أعتقد أنها ذات أهمية معتبرة لتفسير بعض النتائج المشاهدة.
وربما أن أفضل طريقة لتوضيح كل ذلك، هي بالحديث عن كيفية فعل ذلك – ففي الواقع، أن الطريقة التي كنت أفعل بها ذلك كانت عن طريق الكثير من المغلفات المختلفة على مرّ السنين. وأود أن أبدأ بأن أعرض أمرا مغايرا للحقائق: كيف تبدو ملامح العمل في الولايات المتحدة، إذا ما تابعنا سياسات مثل تعريفة ترامب التي حالت وقوع العجز التجاري الكبير في مجال التصنيع الموجود لدينا بالفعل؟
سوف أبدأ بالقول إن التوسيع المتوازن للواردات سوف، ولأول تقريب ممكن، لن يكون له تأثير في القيمة التصنيعية المضافة، وسوف يكون له تأثير في العمالة للمدى الذي تكون فيه الصناعة المنافسة للواردات أكثر اهتمامًا بالعمالة من اهتمامها بالصادرات. ولندع تلك المسألة جانبا الآن. حيث إن الأهم هو العجز التجاري التصنيعي، والذي بلغ وفقا لمنظمة التجارة العالية 600 مليار دولار في عام 2014.
ما هو مقدار التصنيع الذي حل العجز التجاري محله؟ فلا يخرج العجز التجاري بأكمله من القيمة التصنيعية المضافة، بسبب أن الدولار المنفق على السلع المصنعة يظهر في نهاية المطاف في مشتريات الواردات غير المصنعة. وأريد الخوض في هذا الأمر بعناية أكثر (وفي الموعد المحدد الآن)، ولكن الرقم التقريبي سوف يكون 60 في المائة من المزيد من المحتويات المصنعة، وبالتالي فنحن نتحدث عن 360 مليار دولار.
ثم يأتي التوظيف: إن القيمة المضافة لكل عامل في المجال التصنيعي تبلغ نحو 175 ألف دولار. ولذلك ينبغي أن يُترجم ذلك إلى ما يزيد قليلا على 2 مليون وظيفة.
حسنا، ماذا عن التأثير على التوظيف بشكل عام؟ إجمالا، لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال من خلال حساب مماثل، بسبب أنه سوف يعتمد على سياسات التعويض. وإذا ما استخدمت السياستان المالية والنقدية في تحقيق المستوى المستهدف من التوظيف – كما كان الأمر كذلك قبل أزمة عام 2008 – فسوف تكون نتيجة أول خطوة من نوعها في التأثير في إجمالي التوظيف هي صفر. وهذا يعني أن العجز التجاري يساوي عددا أقل من الوظائف في المجال الصناعي بمقدار 2 مليون وظيفة، وزيادة مقدارها 2 مليون وظيفة أخرى في قطاع الخدمات.
منذ عام 2008، بطبيعة الحال، كنا غارقين في فخ من أفخاخ السيولة، حيث كان بنك الاحتياطي الفيدرالي غير قادر أو غير مستعد لتحقيق أهدافه، وتعرضت السياسة المالية للشلل من الناحية النظرية، ومن ثم كان العجز التجاري يشكل عائقًا كبيرًا على التوظيف بشكل كبير. ولكن هذا يختلف قليلاً عن حجج «التجارة التي تسبب فقدان الوظائف».
كذلك، ما هو مقدار صفقة تشريد 2 مليون عامل من الوظائف التصنيعية؟ ليست بالصفقة التافهة، على أدنى تقدير.
حسنا، الآن وبالنسبة لأوتور والكثير من المؤلفين المشاركين، والذين يفعلون شيئا مختلفًا تمامًا: وهي المقاربة التصاعدية. حيث بدأوا بالتحليل التجريبي، باستخدام البيانات المقطعية، لتأثير الصدمة الصينية على التوظيف، والأجور، وخلافه، على المستوى الإقليمي – وهو الأمر الجيد للغاية، وفي واقع الأمر لقد قاموا بعمل رائع.
ولكن ما فعلوه بعد ذلك هو تطبيق المعامل الضمني من هذا التحليل على الآثار الإجمالية للصدمة الصينية. وهذا أمر مشكوك فيه للغاية – وخصوصا عندما، كما ورد في الورقة البحثية الثانية، أفادوا بتقديرات الآثار على إجمالي التوظيف. وبشكل عام، لا يمكنك فعل ذلك: أي تطبيق تقديرات التأثيرات الإقليمية الجزئية على الإجمالي يعرضك إلى مغالطات هائلة ومحتملة.
وفي هذه الحالة فإن القضية الحاسمة هي الاستجابة النقدية والمالية. عبر عام 2007 كان لدينا بنك مركزي رفع من أسعار الفائدة كلما اعتقد أن الاقتصاد يتزايد غليانه، وفي غياب الصدمة الصينية كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يرفع أسعار الفائدة سريعا، لذلك لا يمكننا استخدام النتائج الخاصة بالمقطع العرضي – والتي لا تعكس السياسة النقدية، والتي ظلت كما هي بالنسبة للجميع – من أحل التنبؤ بالكيفية التي تتمخض عنها الأمور.
خدمة: «نيويورك تايمز»