د. أحمد عبد الملك
كاتب واكاديمي قطري
TT

الإرهاب.. هاجس جديد لمجلس التعاون

لم تفلح الاتفاقيات الدولية والإقليمية (اتفاقية جنيف لعام 1937، الاتفاقية الأوروبية لعام 1977، الاتفاقية العربية لعام 1998) لوقف، أو حتى لتحديد ماهية الإرهاب أو التوصل إلى تشريعات محددة لوقف تزايد العمليات الإرهابية.

ولقد شهدت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجموعة من الحوادث دللت على اقتراب الإرهاب من هذه المنطقة التي عرفت الاستقرار والأمن منذ قيام الدولة الحديثة في أوائل الخمسينات، فحصلت التفجيرات المعروفة في المنطقة. وهذا ما دعا مجلس التعاون إلى الالتفات لهذه الظاهرة الغريبة، فجاءت قرارات قمة المنامة عام 1994 لتدين ظاهرة التطرف والغلو المؤدية إلى أعمال العنف والإرهاب. ودعت القمة علماء المسلمين إلى «تبيان قيم ومبادئ الإسلام الحنيف القائمة على التسامح ونبذ العنف، ومواصلة اجتهادهم لتقديم الحلول الصحيحة والمناسبة لشكل العصر». ومنذ تلك القمة وحتى قمة المنامة الأخيرة عام 2012، كان موضوع التطرف والإرهاب ملفا حاضرا على أجندة قادة دول المجلس، تلمسا من هذه الدول لأهمية مقاومة هذه الظاهرة الطارئة والغريبة والتي لم يعرفها أبناء المنطقة من قبل. ولقد أكد مجلس التعاون وقوفه إلى جانب أي دولة من دول المجلس تتعرض لعمليات إرهابية. (قمة الدوحة - 1996)، كما أكد المجلس الأعلى استعداده للتعاون مع التحالف الدولي للقضاء على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة (قمة مسقط - 2001) كما بارك المجلس الأعلى «اتفاقية دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب» وفوض وزراء الداخلية بالتوقيع عليها بصيغتها النهائية (قمة الكويت - 2001). ونوه المجلس الأعلى بضرورة التنسيق والتعاون الدولي ضد الإرهاب كونه ظاهرة فكرية متطرفة لا دين لها ولا هوية، وأكد على مسؤولية الجميع في التصدي الفكري والاجتماعي والثقافي لمنابع الفكر التكفيري المنحرف الذي يشوه الإسلام ويسيء إلى الأوطان (قمة الرياض - 2006).

وهكذا نجد أن مجلس التعاون قد تنبه مبكرا لظاهرة الإرهاب، والتي للأسف جرى ربطها بالدين وزج موضوع «الجهاد والشهادة» فيه بقصد إغراء الشباب للانخراط في العمليات الإرهابية، وكذلك ترغيب «الدعاة» المتشددين المؤدلجين نحو «إغواء» الشباب نحو الجهاد عبر تضليل فكري منحرف ووسائل لا تعترف بنعمة الحياة، قدر ما تحفل بـ«نعماء» الموت، فكان انشداه الشباب للجهاد في أفغانستان والشيشان وغيرهما من مناطق إبادة البشر.

وفي حقيقة الأمر، وفي ظل غياب المراقبة - سواء من قبل الجهات المسؤولة أو من الأسرة - ظل الشباب في هذا الجزء من العالم يستمع طويلا إلى أحادث «دعاة الموت» الذين لم يتورعوا عن تبرير استخدام العنف للوصول إلى أهدافهم، بل استباحوا (قتل النفس التي حرم الله)، من أجل بيع «الأوهام» للشباب الغض. فكان من نتائج ذلك تفكير «القاعدة» لـ«الغزوة» الكبرى على مبنى التجارة العالمية في مدينة نيويورك بأميركا عام 2001 التي اعتبرها «دعاة الموت» نصرا مؤزرا، في حين جرى إزهاق أرواح أكثر من 3000 روح ليس لها - في الصراع الآيديولوجي بين المتشددين والغرب - لا ناقة ولا جمل.

وكانت الأمم المتحدة قد وضعت دراسة حول «تشريع مكافحة الإرهاب في دول الخليج العربية واليمن» عام 2009. وكان الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون) قد حدد ركائز الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب كالتالي:

1- تثبيط الجماعات عن اللجوء إلى الإرهاب، ومنع وصول الإرهابيين إلى الوسائل التي تمكنهم من شن هجوم، وردع الدول عن دعم الإرهاب، وتنمية قدرة الدول على منع الإرهاب، والدفاع عن حقوق الإنسان.

والمثير في تلك الركائز أن فيها من «المتشابهات» التي يمكن استغلالها كتناقضات، ما يجعلها ملتبسة عند التطبيق الفعلي، فقضية منع وصول الإرهابيين إلى الوسائل التي تمكنهم من شن هجوم، يجدها البعض تتعارض مع الدفاع عن حقوق الإنسان. وهذه إشكالية كبيرة وتحتاج إلى شرح كبير.

ولقد ظل هاجس «حقوق الإنسان» مؤرقا للعديد من الدول، في ظل مراقبة ومحاسبة الدول الغربية أو منظمات حقوق الإنسان. وهو ما يجهض الجهود المحلية للتعامل مع الإرهاب والتطرف. علما بأن دولا مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا تجاهلت كل دعواها عن الدفاع عن حقوق الإنسان عندما داهمها خطر الإرهاب.

في آخر تطور حول جهود مكافحة الإرهاب - في دول مجلس التعاون - أمر ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة بتطبيق توصيات البرلمان البحريني بشأن فرض عقوبات صارمة على الإرهابيين. وكان من أهم تلك التوصيات التي رفعت إلى الملك: «إسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبي الجرائم الإرهابية والمحرضين عليها، والمعاقبة على التحريض على العنف والإرهاب بصوره وأشكاله كافة، وتشديد العقوبة على المحرضين على ارتكاب الجرائم الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، ومنع الاعتصامات والمسيرات والتجمهر في العاصمة المنامة، واتخاذ التدابير اللازمة لفرض الأمن والسلم الأهليين، ومنح الأجهزة الأمنية الصلاحيات الضرورية والمناسبة لحماية المجتمع من الأعمال الإرهابية والترويج لها، وضرورة التنبيه على سفراء الدول الأجنبية وممثليها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين احتراما للقانون الدولي والأعراف الدولية».

وبرأينا أن المحافظة على الأمن الوطني في دول مجلس التعاون كافة، مطلب مشترك، وتتطلب جهدا مكثفا لتلمس الأخطار المتوقعة للتطرف والإرهاب. وإذا كنا نتجه نحو محاكمة مرتكبي حوادث العنف، فإن الواجب يحتم أن نحاكم المحرضين عليها، ولهم عدة وجوه وعدة أقنعة، سواء من كانوا على المنابر أو على وسائل التواصل الاجتماعي. لأن الإرهاب الفكري، وتعويد الناس على تقبله - عبر الوعظ السياسي - أكثر خطورة من تنفيذ العمليات الإرهابية نفسها! حيث إن العمليات محدودة ويمكن محاصرتها، ولكن كيف لنا أن نحاصر العقول أو نراقب ما في الصدور التي تتلقى «الوعظ الإرهابي» كل لحظة.

إن الإجراءات الأمنية والتشريعية التي توصلت إليها دول مجلس التعاون يجب أن تواكبها وتعاضدها إجراءات نحو الحد من تغلغل الفكر المتطرف ولغة التحريض التي نشاهدها في الفضائيات وفي الصحافة وفي وسائل التواصل الاجتماعي. ولن تفلح الجهود الأمنية من دون وجود تشريعات واضحة ضد استخدام الإرهاب أو تبرير القيام به، بل ضرورة إسكات الأصوات التي تروج لترويع الآمنين وبث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، وتدفع بالشباب إلى إزهاق الأرواح البريئة وتخريب الممتلكات، مستغلة حالة الإحباط لدى البعض، بالتأثير السيكولوجي الديني، فيقعون ضحية سهلة لمثل هذا الفكر المتطرف. لقد انحرف مسار الدعوة إلى الله وعمل الخير - في حالات كثيرة - إلى الدعوة للعنف والتخريب والتحزب وهذا من شأنه أن يشق الصف، ويهدم كل البناء الحضاري الذي وصلت إليه دول مجلس التعاون إنسانا وبنيانا. فهل نعي الدرس؟!