د. محمد مبارك جمعة
كاتب بحرينيّ وعضو هيئة التدريس في جامعة البحرين. متخصص في الدراسات التطبيقية الإنجليزية، وباحث في الشؤون السياسية.
TT

الـ«فيفا».. تصرف غير المبرر!

قام الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بتغيير وصف الخليج العربي، المستخدم في الموقع الإلكتروني للاتحاد منذ إنشائه، إلى «الخليج الفارسي». هذا التغيير المفاجئ أغضب دول مجلس التعاون الخليجي وأثار حفيظة الاتحادات الخليجية لكرة القدم. هناك من قد يرى أنه لا يمكن فصل هذه الخطوة التي أقدم عليها الـ«فيفا» عن موجة التقارب الأميركية - الإيرانية التي يمكن سماع حركتها من خلال اللهجة المستخدمة مؤخرا بين الجهتين في التخاطب، وخصوصا أن تحريف مسمى الخليج العربي إلى «الفارسي» قد جاء في هذا التوقيت بالذات!

لكن سواء كان هذا الاستنتاج صحيحا أم خاطئا، فإنه لا يمكن استبعاد أن الخطوة التي أقدم عليها الاتحاد الدولي لكرة القدم بتغيير مسمى الخليج العربي إلى «الفارسي» قد جاءت على أثر مؤثرات ذات علاقة بالوضع الدولي والإقليمي، وقد يثير شكوكا حول مدى استقلالية الاتحاد الدولي لكرة القدم عن عالم التجاذبات السياسية.

دول مجلس التعاون الخليجي لن تقف متفرجة على ما أقدم عليه الـ«فيفا»، فهناك عزم على رفع ملف جماعي، وملفات أخرى فردية، تحتج على تغيير مسمى الخليج العربي، وتعبر عن خيبة أملها من التصرف الذي أقدم عليه الـ«فيفا»، وتطالب بإعادة المسمى الصحيح كما كان. الاتحادان السعودي والإماراتي لكرة القدم، أكدا عزمهما تزويد الـ«فيفا» بالمعلومات الصحيحة، ومطالبته بتصحيح «الخطأ» الذي وقع فيه.

من المهم في وضع مثل هذا، وفي ظل تحريف تعتبره دول مجلس التعاون يشكل مسا لسيادتها، أن يكون التحرك عبر ضغط جماعي وموقف موحد وتنسيق سريع، فليس هناك ما يعطي الاتحاد الدولي لكرة القدم الحق في أن يقحم نفسه في السياسة، ويقوم بتوجيه رسائل سياسية عبر تغيير مسميات مواقع جغرافية يتحدث التاريخ عن عروبتها من قبل أن يتم غزو إقليم الأحواز العربي الواقع في شرق الخليج العربي.

ولا تقتصر ممارسة مثل هذا النوع من الابتزاز السياسي - إن صح التعبير - على الاتحاد الدولي لكرة القدم، بل هناك شركات تكنولوجية عملاقة مارست نفس الفعل، وقامت بتحريف مسمى الخليج العربي إلى «الفارسي» في برامج الخرائط وتطبيقات التصفح أو الاستكشاف، ثم إعادته، قبل أن تقوم بتحريفه مجددا!

عروبة الخليج العربي ليست مسألة محل نقاش، وعبر التاريخ، لم يكن لإقليم «فارس» أي مدخل على مياه الخليج العربي إلا من خلال إقليم العرب في خوزستان (الأحواز) الذي سكنه العرب على مر التاريخ والعصور. إن الذين أحاطوا بالخليج العربي وسكنوا المدن والقرى المحيطة به من الشمال والشرق والغرب، وزرعوها أو رعوا الغنم والماشية فيها هم العرب. هذه حقائق ما زالت شواهدها تتحدث حتى هذا اليوم، وحينما تأتي مؤسسة رياضية دولية يفترض ألا يكون لها دخل في السياسة، لتبدل (فجأة) التسمية الصحيحة للخليج العربي، وتنسبه من دون وجه حق إلى دولة لا علاقة لها عبر التاريخ بالخليج العربي، ولم تحصل قط على مطل في مياه الخليج إلا عبر الاستحواذ على إقليم تقطنه قومية أخرى، فإنها تكون قد وقعت في خطأ جسيم، وفتحت بابا لا يوصد لتزييف الحقائق والوقائع التاريخية من جهة، ولاستغلال دور المؤسسات العالمية ذات الهدف النبيل مطية في خدمة أغراض سياسية يتوارى تحتها صراع على النفوذ والتمدد والهيمنة على مقدرات وتاريخ الدول والقوميات والشعوب الأخرى.

على أن المسؤولية الكبرى في هذا الأمر، تقع على عاتق دول مجلس التعاون الخليجي، فإن هي صمتت وسكتت عن مثل هذا التحريف في مسمى وتاريخ خليجها، وإن هي لم تتخذ موقفا صارما وواضحا ممن قام بهذا الفعل، فسوف تفتح شهية كل من يمتهن التحريف، كي يتكسب من الصيد في مياه الخليج العربي!

* كاتب وأكاديمي بحريني