تيموثي إيغان
TT

ترامب.. وأكاذيب تكشفها حقائق

في وقت مبكر من هذا الشهر، قامت أكثر شبكة إخبارية تعرضًا للانتقادات في العالم، بشيء غير عادي في هذا العام، بما فيه من أجواء سياسية ملبدة بالغيوم؛ فبينما كان دونالد ترامب يلقي إحدى أكاذيبه التي من السهل فضحها، قامت قناة «سي إن إن» بتقصي حقائق ما يقول، في وقت أقرب ما يكون إلى الوقت الفعلي، أسفل الشاشة.
«ترامب: لم أقل مطلقًا إن اليابان يجب أن تمتلك أسلحة نووية (قال هذا)». هذا ما يقوله التعليق المكتوب أسفل الشاشة، والذي ربما أصاب الجمهور الذي يتابع التلفزيون بالذهول.
لم أعد أتوقع من «سي إن إن» أن تشعل النار في لحية وولف بليتزر، بقدر ما أتوقع أن تفضح جبل إيفرست الأكاذيب. يتحدث ترامب على غير الحقيقة عن أشياء كبيرة ومعروفة (ليس هناك جفاف في كاليفورنيا) وكذلك عن الأشياء الصغيرة (مثبت شعره لا يمكن أن يؤثر على طبقة الأوزون لأنه محكم الإغلاق داخل برج ترامب). كما أنه يكذب عن نفسه، وعن الذات المزيفة التي اخترعها ليتحدث بها عن نفسه. وقد تبين أنه كذب في أكثر من 70 مرة في فعالية واحدة فقط.
وبالنظر إلى كم الأكاذيب التي يقولها ترامب والمخاطر بالنسبة إلى العالم الحر، فقد آن الأوان لأن نتوجه إلى المناظرات القادمة بقاعدة جديدة، تقصي حقائق فوري لتصريحات المرشحين على المنصة. على لجنة المناظرات الرئاسية أن تفعل ما يمكن أن يفعله أي طفل في السنة الأولى ويستطيع الدخول على «غوغل»، وأن يفضح الأكاذيب قبل أن يخفت صوت الكلمات.
إن تعيين حكم للحقيقة ليس بالأمر الصعب. وفي حين أن القيام بمثل هذا الأمر من غير المرجح أن يضمن أن تكون المناظرات موضوعية، فإنه قد يضمن على الأقل أساسًا يعتمد على الحقائق، في وقت بات فيه الحديث الخالي من الحقائق هو اللغة السائدة في الطبقة السياسية.
كيف يمكن أن نناقش الاقتصاد، وترامب يقول إن معدل البطالة أقل من 5 في المائة فقط، بينما هو في واقع الأمر 42 في المائة؟ أم كيف نتناقش حول اتفاق باريس الخاص بالتغير المناخي، عندما يدعي ترامب كذبًا أن الاتفاق «يمنح البيروقراطيين الأجانب السيطرة على كمية الطاقة التي نستخدمها على أراضينا»؟ أم كيف نتعامل مع الإرهاب، بعدما قال ترامب إنه يعرف «عن (داعش) أكثر مما يعرفه الجنرالات». إن المناظرات والمناقشات تكون بلا معنى من دون طرف محايد يراقب أي كلام لا قيمة له.
إن الباحثين المحترفين عن الحقيقة لم يروا مطلقًا شيئًا مثل ترامب، وهو بالتأكيد أكبر كاذب جامح يسعى إلى منصب رفيع. حتى وقتنا الراهن، صنفت جماعة «بوليتي فاكت» غير الحزبية، 76 في المائة من تصريحات ترامب بوصفها أكاذيب، و57 في المائة بوصفه كلامًا غير صحيح، أو غير صحيح في مجمله، و19 في المائة أكاذيب واضحة جدًا. وفقط 2 في المائة - 2 في المائة! - صنفت على أنها حقيقية، و6 في المائة أخرى صنفت على أنها شبه حقيقية.
أما هيلاري كلينتون، غير المعروف عنها تمسكها التام بالحقائق، فسجلت إجمالي 28 في المائة من الأكاذيب، بما في ذلك كذبة واحدة واضحة جدًا.
أما مدونة «متقصي الحقائق» الشهيرة التابعة لصحيفة «واشنطن بوست»، فقد كشفت أن ترامب يكذب في 70 في المائة من الوقت، كما لا يولي ترامب اهتمامًا يذكر للحقيقة عندما تتواصل معه المدونة من أجل توضيح، فهو لا يرد مطلقًا، بحسب الصحيفة.
كانت بداية ترامب على منصة السياسة الوطنية بوصفه كاذبًا، إذ عمل على استغلال أوهام أسوأ كارهي باراك أوباما، الذين يشكون بالأساس في أنه مواطن أميركي. من الأسئلة التي ربما تطرح عليه في المناظرات الثلاث خلال الخريف، هو ما الذي اكتشفه بالضبط عندما زعم أن محققيه «لا يستطيعون أن يصدقوا ما يجدونه» في هاواي قبل 5 سنوات.
مع شركة «ترامب يونيفيرسيتي»، صنع نموذجًا للشركات مبنيًا على بيت من الأكاذيب. وصف مسؤول تنفيذي هذه الشركة بأنها «محض كذب»، وقال مدير مبيعات إنها «مخطط احتيالي» يهدف لخداع العملاء الضعفاء، وفقًا لشهادة في المحكمة. كانت تلك الدعوى القضائية هي ما ألقى بترامب في أتون أكاذيبه الحالي، حيث وصف القاضي المولود في إنديانا بأنه «مكسيكي». وعلى هذا المعيار، فإن ترامب ألماني، ولديه جد من كالستادت.
وتبدو بعض أكاذيب ترامب كأحاديث يومية من شخص مشعوذ. في مؤتمر صحافي غريب في مارس (آذار)، وصف شركة «ترامب واينري» بأنها «أكبر شركة لإنتاج الخمور على الساحل الشرقي». لم يقل حتى إنها قريبة من الساحل الشرقي، بحسب موقع «بوليتي فاكت».
وقال الشهر الماضي إنه كان لديه عدد من الموظفين في نيوجيرسي: «أكبر من أي شخص آخر تقريبا».
لقد حاولت لفترة أن أرسم خريطة لأيام أكاذيبه، لكن حجمها ابتلعني. قال إن انتحار مساعد كلينتون السابق فينس فوستر كان «مريبًا جدًا»، لكن 5 محققين مستقلين توصلوا إلى أنه انتحار بائس ليس إلا. كان بإمكانه أن يطالع بيانات مراقبة الجفاف الأميركية قبل أن يقول إنه «ليس هناك أي جفاف» في ذات الموقع بولاية كاليفورنيا الذي يعيش الآن خامس عام له على التوالي ضمن فترة جدب غير مسبوقة.
بل إن ترامب يكذب حول أكاذيبه. زعم أنه أراد أن يحافظ على سرية تبرعات شخصية لصالح قدامى المحاربين، بينما هو في حقيقة الأمر تباهى في يناير (كانون الثاني) بمنحة قدرها مليون دولار، لم يتم التبرع بها حتى بدأت الصحافة تسأله بشأنها بعد ذلك بشهور.
وللأسف، فإن كثيرًا من الناخبين لا يهتمون ما إذا كان أحد المرشحين مريضًا بالكذب. لكن معظمنا ينبغي أن يهتم بهذا. والأمر بيد لجنة المناظرات، إذ عليهم، وهم يضعون القواعد للمناظرات، أن يضمنوا أن تتبوأ الحقيقة مكانها على المنصة.
* خدمة «نيويورك تايمز»