سيلفي كوفمان
* رئيسة تحرير صحيفة «اللوموند» سابقًا* خدمة «نيويورك تايمز»
TT

انتخابات النمسا ناقوس خطر في الغرب

بعد أقل من شهر، سيستيقظ الأوروبيون على أنباء ما سيقرره الناخبون في بريطانيا في استفتاء 23 يونيو (حزيران) بشأن تحديد ما إذا كانت بريطانيا ستصبح أول دولة عضو تترك الاتحاد الأوروبي. ويخشى كثير من المراقبين أن يفضي ذلك إلى نتائج كارثية على المشروع الأوروبي برمته.
وفي 24 أبريل 2017، أي بعد عام تحديدًا من فوز نوربرت هوف، مرشح حزب الحرية النمساوي في انتخابات الجولة الأولى، قد يستيقظ الفرنسيون على أنباء فوز مارين لوبان، زعيمة حزب الجبهة القومية اليميني المتطرف، في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بفرنسا، حسبما تشير إليه استطلاعات الرأي.
وفي الوقت نفسه، فليس من المستبعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية، وإن بدت فرصته في الفوز ضئيلة اليوم.
واللافت أن تلك السيناريوهات ليست مخيفة، إذ تتبدى أمارات التحدي في مواجهة النظام الديمقراطي القديم بشكل كبير. أتتذكرون عندما أزعجتنا بشدة أنباء انتخاب الرئيس كورت فالدهايم في الثمانينات من القرن الماضي. أما اليوم، فسياسات النمسا الغريبة لم تعد بالمعزولة، فهي جزء من تيار قوي عبر جميع أنحاء أوروبا. وليس عبر أوروبا فحسب، بل أيضًا عبر المحيط الأطلسي.
وجدير بالذكر أن ألمانيا، التي تبدو محصنة ضد المرض، حصل «حزب البديل من أجل ألمانيا» المناهض لسياسة الهجرة أخيرًا على نسبة تتراوح ما بين 12 في المائة إلى 24 في المائة من إجمالي الأصوات في انتخابات ثلاث ولايات. وفي كرواتيا، يحاول وزير الثقافة إعادة تأهيل الأفكار الفاشية.
ولطالما نُظر لتلك التطورات باعتبارها أمرًا هامشيًا رغم تأثيرها السلبي، إذ إن التيار الوسطي كان لا يزال متماسكًا، غير أن «موجة التعصب» اجتاحت وسط أوروبا على غرار ما رأيناه من رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان. وكذلك الحال في بولندا وسلوفاكيا التي تحكمهما الآن أحزاب مكافحة للهجرة، ومتشككة في خطط الاتحاد الأوروبي. ومن شأن انتخاب الرئيس النمساوي اليميني المتطرف أن يضفي بُعدًا جديدًا للظاهرة التي تمتد إلى ما وراء «ما بعد الشيوعية»، حيث ينظر للحكومات الشعبوية، مع العلم أن النمسا لا تنتمي لأوروبا الحديثة، بل القديمة.
وقد نجد صعوبة في شرح أسباب صعود اليمين المتطرف بمختلف أنماطه، فقد تكون الهجرة عاملاً مهمًا، إلا أن ديناميكياته سبقت أزمة اللاجئين، وكذلك أزمة اليورو وتفاقم زيادة معدلات البطالة في فرنسا والنمسا، وإن لم تشكل مشكلة في بريطانيا، إضافة إلى الفوضى في العالم العربي التي أعقبت فشل غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة، مؤجِّجة حروبًا جديدة في الشرق الأوسط وهجمات إرهابية في أوروبا.
جدير بالذكر أننا، من خلال قبول إساءات لفظية بصفة يومية عن المهاجرين بأنهم «سيجلبون أمراضًا»، ولا يجب السماح للمسلمين بالدخول إلى الولايات المتحدة، وغيرها من كل تلك الإساءات اللفظية، أضفينا شرعية على الخطاب العام الذي قد تتمّ ترجمته يومًا ما في صورة قرارات سياسية. أيضًا في اليوم التالي لانتخابات الجولة الأولى في النمسا، حذر الرئيس أوباما في خطاب له ألقاه في هانوفر بألمانيا ضد «الظهور المفزع لذلك النوع من السياسات التي أسس المشروع الأوروبي لرفضها، والمتمثلة في عقلية (نحن في مواجهة هم). وبينما كانت أوروبا غارقة في الحرب، التقى في 14 أغسطس (آب) 1941، كل من الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل على متن البارجة الأميركية «أوغستا»، وكتبا «ميثاق الأطلسي». وتضمنت تلك الوثيقة المقتضبة ثمانية مبادئ عامة وضع فيها الزعيمان «آمالهما في مستقبل أفضل للعالم». وعلى مدى عقود، ظلت تلك المبادئ مصادر إلهام للعالم الحر. وقد اتسمت تلك المبادئ بالشجاعة والأهداف التقدمية ذلك الحين. أما الآن فتلك المبادئ بحاجة إلى التحديث.
* مديرة التحرير ورئيسة تحرير سابقة لصحيفة «لوموند» الفرنسية
* خدمة «نيويورك تايمز»