نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

اليوم الأخير لسايكس بيكو الأولى واليوم الأول للثانية

في بيت المستقبل وتحت رعاية الرئيس الشيخ أمين الجميل، عُقد مؤتمر نوعي تحت عنوان «مائة عام على سايكس بيكو»، وقد شارك في هذا المؤتمر مفكرون عرب وأجانب، ولقد لمست حرصًا من جانب معدي التحليلات والأبحاث، على أن يقدموا قراءات جديدة للحدث القديم مع تركيز على الحاضر الراهن والمستقبل.
وطُرِحت في هذا المؤتمر المهم صيغ لما بعد الحرب الدائرة الآن في الشرق الأوسط يكون لأهل المنطقة الدور الأساسي فيها بما يتفادى احتمال استنساخ سايكس بيكو ثانية، يقع فيها الشرق الأوسط كله هذه المرة، والعرب هم غالبيته، تحت مقصلة تقاسم النفوذ بين القوى المقررة حتى الآن في مجرى الحرب ونتائجها.
القراءات الجديدة لسايكس بيكو خرجت من الصندوق الذي سجن الوعي العربي لمائة عام خلت، حيث كان التعريف السائد لسايكس بيكو هو أنها مجرد مؤامرة.
وانطلاقًا من هذا التعريف جرت أوسع عملية استثمار بائس وغاشم ومتخلف فاستقرت حدود سايكس بيكو، إلا أن ما كان في داخلها فشل كارثي في تأسيس النظم وإدارة الكيانات، ومثلما تقاسم سايكس وبيكو تركة الإمبراطورية العثمانية الآفلة، تقاسم النافذون من أهل المنطقة الفشل المتمادي داخليًا وخارجيًا، وأخطر أنواع الفشل هو العجز عن بلورة صيغة علاقات عربية - عربية تستجيب لحاجات المجتمعات في التنمية والتطور ليحل محلها حالة من الاقتتال والتنافر جعلت واحدة من أهم مناطق العالم، وهي الشرق الأوسط، مسرحًا لمعارك داخلية لا تتوقف ومعارك مع إسرائيل، أفضت إلى بقاء القضية الفلسطينية بلا حل، ومنحت الدولة العبرية مركزًا متفوقًا في الشرق الأوسط، جعل قادتها يفكرون في مزيد من النفوذ دون أن يقدموا ما يتعين عليهم تقديمه من استحقاقات.
ونظرًا للتفتت العربي الذي إن سُئل سايكس وبيكو عن بداياته، فإن العرب هم المسؤولون المباشرون عن تعمقه وتماديه، بحيث صار منطقيًا، وبعد قرن كامل من الزمن، أن يتجه أصحاب النفوذ المتكرس في العالم إلى تقاسم جديد قد يحمل اسم كيري ولافروف مضافًا لكل منهما حصص من يخرجون من الحرب الراهنة سالمين.
لقد حاول الذين اجتمعوا في بكفيا، أن يقدموا جديدًا حول المستقبل، إلا أنهم كانوا حذرين بل ومتشككين في جدوى هذه الأفكار نظرًا للجفاء المتمادي بين صناع السياسات والمواقف، وخلاصات المختصين من الباحثين والمثقفين، فما زال المثقف والباحث والمحلل مستبعدين عن دائرة القرار، بل وفي معظم الأحيان يُنظر إليهم كما لو أنهم مجرد مثاليين وحالمين ويغردون خارج السرب، إلا أن من يفكرون ويجتهدون ويقترحون سيواصلون قرع الجدران الصماء لعلهم يجدون أخيرًا من يستجيب، ولن يتحقق ما يصبون إليه إلا في حالة واحدة.. أي عندما يتطور التأثير الشعبي على صناعة القرار عبر ديمقراطية اعتبرها النافذون على مدى القرن الماضي بدعة مستوردة لا تلائم بيئتنا وثقافتنا، مما فتح الباب واسعًا أمام الانقلابات العسكرية والحكم الاستبدادي المغلف بالشعارات التي ما كان لها من دور فيما مضى سوى تغليف وتمكين الجشع السلطوي والاستبداد.
لقد أعجبني مصطلح جذّاب بلغته الأصلية وهي الإنجليزية.. «المشكلة ليست في الـBORDERS وإنما في الـORDERS»، فإن صلحت الثانية صلح الحال من كل النواحي، وان لم تصلح فإن سايكس بيكو الثانية ستتكرس لمائة عام مقبلة، وقد تسلم رايتها للثالثة وهكذا.
أخيرًا.. أقترح على بيت المستقبل أن يرسل خلاصات جميع الأبحاث والاستخلاصات التي عرضت على مدار يومين، إلى صناع القرار الرسمي في عالمنا العربي، فلعلهم يستفيدون.