شارل جبور
TT

مصير السلاح.. كمصير «النووي»

العقوبات الأميركية على «حزب الله» ذكرت بالعقوبات الأميركية - الدولية على إيران، التي حاولت بشتى الطرق والوسائل التملُّص منها، وتعاملت معها في السنوات الأولى بمكابرة موصوفة لجهة أن كل عقوبات العالم لا تؤثر عليها، وأن لديها اكتفاءً ذاتيًا، وأن الشعب الإيراني التف حول نظامه بشكل غير مسبوق، رفضا للحصار الخارجي، وأن المجتمع الدولي سيتراجع عاجلا أم آجلا عن تلك العقوبات ويرضخ للشروط الإيرانية، ولكن عندما أيقنت طهران أن محاولة شراء الوقت بالرهان على تراجع المجتمع الدولي لم تجد نفعا، وأن هذا المجتمع ليس في وارد التراجع قبل تراجعها عن مشروعها النووي، سلّمت بالشروط الدولية، سيما بعد أن وجدت نفسها أمام خيارين: انهيار الوضع الداخلي والدخول في الفوضى أو تنفيذ الأجندة الدولية.
وما انطبق على طهران بالأمس ينسحب على «حزب الله» اليوم، ويخطئ كل من يراهن على تراجع الولايات المتحدة عن العقوبات أو قدرة الحزب على الالتفاف عليها والتخفيف من حدتها، بل تلك العقوبات ستأخذ مسارا تصاعديا مع الوقت، وصولا إلى تحقيق واشنطن الهدف من وضعها تمامًا، كما حققت الهدف من العقوبات على إيران.
فلقد دخل «حزب الله» اعتبارا من دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ مرحلة جديدة، ولن يختلف رد فعله بطبيعة الحال عن رد الفعل الأولي لطهران على العقوبات، بمعنى أن الحزب سيكابر ويستخدم كل الأساليب لتخطي تلك العقوبات، ومن بينها سياسة شراء الوقت التي تشكل السياسة المفضلة لدى محور الممانعة.
ويعتقد «حزب الله»، ربما، أن نجاحه بالالتفاف على القرارين 1559 و1701 سينسحب على العقوبات الأميركية، ولكن هذا مجرد وهم وتعلُّق بحبال الهواء لأربعة أسباب أساسية:
السبب الأول، لأن دخول «حزب الله» إلى سوريا شكل بالنسبة إلى واشنطن والمجتمع الدولي خطيئة كبرى لجهة أن حزبا محليا تمدد أكبر من حجمه، فيما لا نية دولية إطلاقا للاعتراف بدوره الجديد، بل هذا الدور بالذات أدى إلى مزيد من تسليط الضوء عليه، واعتباره بأنه يشكل تجاوزا للخطوط الحمراء المسموح بها دوليا، إذ حتى طهران لم تدخل إلى سوريا بالشكل الرسمي الذي فعله الحزب.
السبب الثاني، لأن الإدارة الأميركية انتقلت بعد الانتهاء من النووي الإيراني إلى الدور الإيراني الذي تصفه بأنه مزعزع لاستقرار المنطقة، وبالتالي بعدما لمست فعالية العقوبات في النووي انتقلت لتطبيقها على الأذرع الإيرانية بدءًا من «حزب الله». وأي إدارة أميركية جديدة لن تكتفي بمواصلة هذا التوجه، بل ستكون أكثر تشددا، وفترة السماح التي استفاد منها الحزب لفترة طويلة انتهت بالنسبة إلى واشنطن.
السبب الثالث، لأن إنهاء الأزمة السورية التي تحولت إلى أزمة عالمية غير ممكن، ما لم يصر إلى إنهاء حكم النظام السوري، الأمر الذي يستدعي إضعاف أو تحييد كل القوى الداعمة له، بما فيها «حزب الله»، وإخراجه من سوريا كمقدمة لتضييق الخناق على رأس النظام، ودفعه إلى القبول بأي تسوية تخرج سوريا من أزمتها.
السبب الرابع، لأن سلاح «حزب الله» يشكل تهديدا متواصلا لاستقرار لبنان، الذي يحظى للمرة الأولى بهذا التقاطع الدولي الذي يبدأ من واشنطن، ولا ينتهي في باريس وموسكو والفاتيكان، سيما أن طهران بواسطة الحزب قادرة على التحكم في ثلاث أوراق: الورقة الفلسطينية، والورقة اللبنانية، والورقة السورية، ما يجعل دور «حزب الله» هدفا دوليا للحد من الدور الإيراني غير المرغوب دوليا وعربيا وإسلاميا.
فـ«الدعسة الناقصة» للحزب كانت دخوله المعلن إلى سوريا، فيما كان باستطاعته إبقاء تدخله ضمن سياسة الغموض، إلا أنه لم يحسب جيدا عواقب هذه الخطوة التي أوصلته إلى أن دوره المسلح لم يعد مقبولا استمراره دوليا ولا عربيا ولا إسلاميا ولا لبنانيا. ويجب ألا تغفل أيضًا العقوبات السعودية والعربية والإسلامية على الحزب، ومدى تأثيرها على بيئته التي وضعها في مواجهة مع كل العالم.
ولكن اللافت في كل هذا المشهد أن «حزب الله» يذهب إلى الحج وإيران راجعة، أي أن العقوبات توضع على الحزب بعدما كانت رفعت عن طهران، ويتعرض الحزب لأشد الحصار في الوقت الذي تعمل فيه إيران على فك الحصار تدريجيا عن نفسها.
ويبقى أن العد العكسي لدور «حزب الله» الإقليمي وسلاحه قد بدأ، وذلك بمعزل عن المدة التي سيستغرقها هذا العد، فيما بإمكانه اختصار الطريق والأضرار، من خلال العودة إلى لبنان، وممارسة دوره السياسي أسوة بكل القوى السياسية الأخرى، في سياق شراكة سياسية كاملة من ضمن جسم الدولة التي وحدها تمتلك السلاح، والحق بحماية السيادة والاستقلال.