ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

مصطفى بدر الدين وطريق القدس

بعد مقتل مصطفى بدر الدين، وزع الإعلام الحربي لحزب الله سيرة وصورًا وفيديوهات للرجل نراها للمرة الأولى. فبعد الصور الشحيحة له في شبابه ومع غياب سجلات كافية عن حياته بدت المواد المصورة التي وزعها الحزب مدخلاً لمزيد من التدقيق في سيرة هذه الشخصية التي غلبتها السرية بشكل كامل، خصوصًا خلال العقد الأخير، حيث سطع اسم مصطفى بدر الدين بصفته مطلوبًا للمحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتحوله إلى مطلوب للعدالة، لكن حزب الله رفض تسليمه.
في الصور التي وزعت له بدا بدر الدين متنقلا في النهار، ويتحدث مع مرافقيه بحرية وبكثير من الابتسام والارتياح. لم يظهر بصفته ملاحقًا من قبل الأجهزة اللبنانية التي كانت موكلة بالقبض عليه، ولم توحِ الصور بأن الرجل كان يحرص جديًا على الاختفاء أو يكتفي بالخروج ليلاً، ولم يظهر أنه شخص يعيش في الظل، بل بدا الرجل في سياق حياته اليومية. ركز الحزب في السيرة التي وزعها على صور لبدر الدين، وهو واقف أمام مقام السيدة زينب في محاولة لمغازلة جمهور الحزب حيال هذه الشخصية وربطها بالوجدان الشيعي من خلال تلك اللقطة. نعم، مصطفى بدر الدين هو من صنف الأشخاص الذين لا يتاح لنا أن نرى صورهم إلا بعد رحيلهم لنكتشف أنه لم يكن يعيش حياة سرية كما تفترضها حياة المطلوبين إلى العدالة، بل وربما كان يعيش على نحو طبيعي، لدرجة أننا ربما التقينا به ونحن عابرون في شوارع بيروت مثلاً.
الصور التي تم توزيعها له والسيرة المرفقة لا تتحدث سوى عن شخص عاش ومات مقاتلاً إسرائيل، ولا شيء آخر لتختم بجملة يتيمة عن مقتله في سوريا، حيث كان يحارب التكفيريين. لا مكان في السيرة لحكم الإعدام عليه في الكويت في مطلع الثمانينات على خلفية اتهامه بتفجيرات هناك ولا لاتهامات دولية له، خصوصًا في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومواطنين لبنانيين، حيث اتهمت المحكمة الدولية بدر الدين بأنه كان العقل وراء التخطيط والتنفيذ ومراقبة الحريري وشراء شاحنة المتفجرات وفبركة شريط التضليل المعروف بشريط أبو عدس. لا مكان في السيرة لدوره في سوريا في المساهمة في تثبيت سلطة نظام مجرم كنظام الأسد. علينا فقط أن نصدق بطولية مصطفى بدر الدين ونضاليته المفترضة ضد إسرائيل ولا شيء آخر. والمرددون للبطولة هذه يفعلون ذلك على نحو آلي، وهذا ما ظهر في ردود الأفعال في صحافة الممانعة وفي شرائح من جماهير الحزب التي لا يزال استخدام كلمة إسرائيل معها يفعل فعله لجهة إلغاء السياسة والعقل والمنطق.
مصطفى بدر الدين كان يقاتل إسرائيل.. يكفي أن يروج الحزب لهذا الأمر حتى يُمنح الرجل صك براءة حيال جريمة شنيعة كاغتيال الحريري ومواطنين لبنانين، وجريمة أفظع وهي المشاركة في دعم نظام يقتل السوريين. وسيرة بدر الدين تعيدنا إلى ذلك السجال المضمر في أحيان كثيرة، وعنوانه كيف يمكن التوفيق بين المشاركة في قتل شخصيات لبنانية كجريمة اغتيال الحريري، والمساهمة في دعم نظام يقتل شعبه كالنظام السوري وبين المضي في رفع شعار محاربة إسرائيل.
لقد سبق أن علمتنا تجربة نظام الأسد الأب، أن سوريا لم تكن لتحكم إلا بوهم قضية فلسطينية تتيح الإطاحة بكل الحقوق. ويفترض بنا أن نواصل تصديق هذا الوهم الذي يمارس قسرًا علينا وبأن طريق القدس يمر عبر الزبداني.
اليوم لا تزال أسباب مقتل بدر الدين غامضة تمامًا كحكايته، فإسرائيل نفت تورطها في اغتياله، وفصائل المعارضة السورية كذلك. إنه مسؤول بارز لدى حزب الله ومطلوب في عدة تهم وجرائم، وهو أيضًا المسؤول الرابع لحزب الله الذي يقتل في سوريا في لحظة شديدة التعقيد سياسًيا وأمنيًا، هناك وعلينا فقط أن نصدق أنه كان في طريقه إلى القدس حين قُتل.

[email protected]