دافني كيلر وبروس براون
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

«بلقنة» الإنترنت

كانت الأشهر السابقة شديدة الصعوبة على شركة «غوغل» في أوروبا. فلقد أجرى الاتحاد الأوروبي تحقيقًا صادمًا جديدًا لمكافحة الاحتكار بحق الشركة، وليس ذلك فحسب، ولكن - وفي خطوة شهدت القليل من الضغوط، ولكن عواقبها أوسع نطاقا - أجبرت الجهات الرقابية الفرنسية الشركة العملاقة على تقييد نتائج البحث في جميع أنحاء العالم للامتثال لقوانين الخصوصية المعروفة باسم «الحق في أن تُنسى» هناك.
وتلك من المشكلات القائمة بالنسبة للشركة التي يقوم نموذج أعمالها على البحث. ولكنها قد تتحول لأن تكون مشكلة أكبر بالنسبة لمستخدمي الإنترنت أنفسهم. فإذا ما تسنى لإحدى الحكومات الأوروبية السيطرة على ما يشاهده الناس كافة في جميع أنحاء العالم على الإنترنت، فلماذا لا تقوم كل دولة أخرى بتطبيق المعايير نفسها؟
والشد والجذب ما بين شركة «غوغل» والاتحاد الأوروبي، هو آخر التداعيات المسجلة منذ عام 2014، عندما صدر حكم من أعلى محكمة أوروبية بمنح الناس حقوقًا واسعة، من حيث جعل محركات البحث تزيل تواريخ البحث الماضية من تلقاء نفسها، بما في ذلك الروابط الخاصة بالمقالات الإخبارية، وغير ذلك من المعلومات. ويمكن للناس من ذوي الصلات مع أوروبا التقدم بطلبات لدى شركة «غوغل» لإزالة روابط بعينها من تواريخ محركات البحث.
ولقد ردت شركة «غوغل» على ذلك عن طريق إزالة نتائج البحث تمامًا من الإصدارات الأوروبية: فلن يتمكن زوار موقع «google.fr» أو موقع «google.de» من مشاهدة النتائج البحثية المحظورة، ولكن تلك النتائج لا يزال يمكن مشاهدتها على موقع «google.com»، كما يمكن للمواطنين الأوروبيين التصفح عبر النسخ غير الأوروبية من موقع الشركة.
وفي شهر مارس (آذار)، فرضت الجهات الرقابية الفرنسية غرامة على الشركة، وقالت إن مثل تلك الخطوات ليست كافية. ومن الناحية الفنية، قد تكون لوجهة النظر الفرنسية وجاهتها. فعندما يكتب المواطن الأوروبي «google.com»، على المتصفحات الخاصة بهم، توجههم شركة «غوغل» إلى الإصدارات المحلية من الخدمات، التي، كما تقول، قيد الاستخدام من نحو 95 في المائة من المستخدمين الأوروبيين. ولكن شركة «غوغل» لم تفرض حواجز لمنع الناس من زيارة الموقع الرئيسي «google.com».
وللامتثال لقرارات الجهات الرقابية، تعمل شركة «غوغل» على تغيير ذلك في الوقت الحالي، باستخدام تكنولوجيا الحجب الجغرافي للسيطرة على ما يمكن للمواطنين الأوروبيين مشاهدته على الإنترنت. يقول البعض إن هذا من قبيل الحلول المنطقية؛ تجنب الحذف العالمي، مع السماح لدولة ذات سيادة بفرض قوانينها، داخل حدودها. ولكنها تعتبر خطوة بعيدة للغاية عن الوعد بجعل معلومات الإنترنت في متناول الجميع، كما أنها خطوة كبيرة نحو عالم يعرف باسم «الإنترنت المجزأة».
وهناك كثير من المشكلات المتعلقة بذلك. فإن تقطيع أجزاء من الإنترنت يثير الحواجز أمام دخول أي شخص يحاول إنشاء شبكة عبر الإنترنت، من المدونين المستقلين وحتى المنظمات غير الحكومية إلى مختلف الشركات.
وفي هذا الشهر فقط، أدلى الممثل التجاري للولايات المتحدة بتصريحات حدّد فيها أحد جوانب نظام الحجب المعلوماتي، وهو ما يُسمى «الجدار الناري الصيني العظيم»، الذي يعتبره من أكبر الحواجز في وجه التجارة العالمية.
ومن شأن وكالات الأنباء أن يكون لديها سبب معقول للقلق من تكنولوجيا الحجب الجغرافي، حيث يعتمد المراسلون على الشبكات العالمية في التحقيقات الصحافية والتقارير الإخبارية الدولية، مثالاً بتسريبات بنما الأخيرة. والمراسلون أنفسهم دائما ما يكونون الأهداف الأولى عندما تسعى الحكومات للسيطرة على تدفق المعلومات إلى المواطنين. وهناك حماية في قانون الخصوصية بالاتحاد الأوروبي حيال الصحافيين.
يومًا ما، يمكن للاتفاقيات الدولية تسوية جميع تلك المشكلات. ولكن لا ينبغي علينا «بلقنة» الإنترنت في الوقت الراهن، انتظارًا لإبرام هذه الاتفاقيات. فبمجرد أن يرتفع حاجز من الحواجز على الإنترنت، فلن نتمكن من إزالته في المستقبل.

* خدمة «نيويورك تايمز»