حسان ياسين
كاتب سعودي
TT

الرئيس أوباما.. مرحبًا بكم في السعودية

حينما يتحدث الناس عن العلاقة السعودية - الأميركية، فغالبًا ما يشيرون إلى الاجتماع الذي تم في يوم عيد الحب عام 1945، ما بين الملك عبد العزيز بن سعود، والرئيس فرانكلين روزفلت، على متن حاملة الطائرات الأميركية «كوينسي». وبالتأكيد فإنها تعتبر لحظة ذات أهمية كبيرة تعبر عن أصالة كبيرة في علاقة الصداقة فيما بيننا. ولكن في الواقع تعود علاقتنا إلى فترة أبعد وأعمق من ذلك. لقد بدأت عندما وصل ممثلون عن «شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا» في عام 1930، لقد أتوا إلينا مستكشفين بعقلٍ مفتوحٍ. لم نكن نعرف الكثير عن بعضنا، ولكن القيم والشخصية الأميركية وثيقة الصلة بطبيعة الحال بتقاليدنا، كالترحيب بالضيوف والبساطة والحفاظ على عقلٍ مفتوح والتعلم والاستفادة من الآخرين. لقد قدّرنا عاليًا الحيوية والنشاط والصدق والبساطة التي تحلّى بها الأميركيون. لقد تميزت أميركا بعمرها التاريخي الأصغر سنًا والمفعم بالحيوية أكثر من أوروبا. لقد تقرّبوا منا وعلى قدم المساواة بعضنا مع بعض، وليس على أننا شعب ينبغي أن يُحكم أو يُسيطر عليه. وانطلاقًا من هذه الروح المتحلية بالثقة وبالصدق، وبالطاقة وبالصراحة، ما لنا إلا أن نرحب بكم، السيد الرئيس، على أنكم، اليوم، ضيفنا المحترم في المملكة العربية السعودية.
أولئك المهاجرون الأوائل الذين تركوا أوروبا وأسسوا الولايات المتحدة الأميركية التي تمتلك أقصى ما انتهت إليه الروح الحقيقية لما يتطلبه التعلم المستمر والتكيف والتجريب.. وفي سعينا من أجل البقاء، فإننا أحيانًا نرتكب أخطاءً كثيرةً، ولكننا نعود مباشرة لتعديلها في سبيل تحقيق الازدهار في المستقبل. من الضروري أيضًا في هذه المقاربة أن نمتلك قانونًا أخلاقيًا قويًا، والبوصلة التي توفر لنا إحساسًا بصحة الاتجاه، والإحساس بالانتماء للمجتمع والتعايش فيه. من خلال تاريخنا الطويل القبلي من قلب الصحراء حتى ظهور المحارب الملك عبد العزيز بن سعود، الذي كان أول من وحّد شبه الجزيرة العربية، لقد تعلم كلانا الكثير، واستفدنا من الدروس نفسها. لقد وحّد ملكنا القبائل التي كان يحارب بعضها بعضًا من أجل البقاء على قيد الحياة، حيث كنا نفهم القليل عن بعضنا، واجتهدنا في سبيل العيش معًا في جوٍ من التسامح والتكافل، وقمنا ببناء المملكة التي كانت أكبر من مجموع أجزائها. لقد قامت قيمنا المشتركة على الصدق والبساطة والتصميم، والقدرة على تصحيح أخطائنا معًا كسعوديين وأميركيين. لقد نشأنا ونحن نجد الأميركيين الذين جاءونا للتنقيب عن النفط في عام 1930، وقد بهرونا بما لديهم من الثقافة والمفاجآت. ولا يزال ذلك الافتتان المتبادل مستمرًا حتى يومنا هذا.
حينما كنت طالبًا في جامعة بيركلي، شارك الأستاذ يوجين بورديك في تأليف رواية «الأميركي القبيح»، التي أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا، وعرّف العالم الصفات الأميركية بكثير من الفضول والصدق والموقف الذي يمكن القيام به. تطورت العلاقة بين الرئيس روزفلت والملك عبد العزيز، وذهبت إلى حد كبير على طول تلك الخطوط. أوقفت الحرب العالمية الثانية تدفق النفط، لكن علاقتنا لم تنقطع. وبعد وفاة الرئيس روزفلت، بدأت على ما يبدو تظهر الخلافات فيما بين علاقتينا. بالطبع، فإن حصول هذه الاختلافات أمر مهم في أي علاقة صداقة، مع اعترافنا بأننا لم نكن ننظر «العين بالعين» في كل مسألة بيننا. علينا أن نكون صادقين بشأن خلافاتنا، وعلينا الاستمرار في التركيز على كل ما هو مشترك فيما بيننا. لقد كان الدعم الأميركي الثابت لإسرائيل أمرًا من الصعب علينا أن نفهمه. ولكن عندما وصل بنا الأمر إلى محاربة الشيوعية، بقينا الجهة الأقوى والأكثر فعالية فيما بين الحلفاء. ومات أبناء العرب والمسلمين في سبيل محاربة هذا المفهوم العدمي، ونجحنا في محاربته إلى جانب أصدقائنا الأميركيين. وأنا لا أذكر أن أي جندي إسرائيلي قد مات في محاربة الشيوعية في أفغانستان أو في أي مكان آخر.
لا تزال خلافاتنا حول إسرائيل وفلسطين موجودة بالطبع. كم كانت خيبة أملنا كبيرة، حينما أطلق ولي عهد المملكة آنذاك الأمير عبد الله مبادرة سلام شاملة بالنسبة لإسرائيل، التي وقعت عليها آنذاك 22 دولة عربية، ولم تقم الولايات المتحدة بالضغط بما فيه الكفاية على إسرائيل للرد على مبادرة السلام تلك، التي عرضت على إسرائيل إقامة السلام الكامل وإقامة العلاقات الدبلوماسية، بما ينسجم مع الخطوط المقبولة من قبل المجتمع الدولي. ومن المؤسف حقًا أن يستمر تجاهل المبادرة حتى يومنا هذا. كما برزت خلافات جديدة أيضًا في نهجنا المشترك، في علاقاتنا مع إيران. لقد رحبنا بالنتائج التي أفضت إليها المفاوضات الأميركية مع إيران، وفي وضع حدٍ لطموحاتها النووية، لكننا نبقى حذرين حول ما سيأتي بعد ذلك. لقد كان من ديدن إيران، واستمرت على عادتها، التدخل في الشؤون العربية في جميع أنحاء المنطقة، وذلك بغية كسب النفوذ والتدخل على حساب السكان المحليين، وتحريض الطائفية المتزايدة التي قامت بغرسها. بالتأكيد إنه سلوك غير مقبول على الإطلاق من قبل أي من جاراتنا، وما نأمله أن تقف أميركا معنا ضد مثل هذا التدخل من جانب إيران.
لم يختفِ التهديد النووي تمامًا، بينما يواصل الإرهابيون محاولاتهم للحصول بأيديهم على مواد نووية. ينبغي علينا أن نبقى متيقظين لضمان ألا نرى أبدًا الأسلحة النووية مستخدمة ضد شعب آخر. على إيران، ونحن نعوّل أيضًا على العلاقة الجديدة مع الإيرانيين، تعزيز رسالتنا إليهم. إننا نرحب بعودة إيران إلى العالم كدولة عادية، بأن يكونوا مستعدين للقيام بالتبادل التجاري والمشاركة معنا. ولكن لا أحد منا يمكنه تقبل إيران التي تواصل تدخلها السافر في شؤون جيرانها العرب، وتسعى لإشعال نيران الطائفية البغيضة. من جانبنا، نحترم الحضارة الفارسية القديمة في إيران، كما أننا نحترمهم كجيران، ونحترمهم لأنهم إخواننا في الإسلام. أما أولئك الذين يعتقدون أن هذه القضية عبارة عن مشكل طائفي من السنة ضد الشيعة، فهم يرتكبون خطأ جسيمًا. بعد كل شيء، لقد بسطنا أيدينا لتحقيق السلام لدولة يهودية، وقد أطلق الملك عبد الله الحوار بين أتباع الأديان عبر الأمم المتحدة، وكنا نحاول تشجيع التسامح بين جميع الأديان، بما في ذلك ما بين التفسيرات المختلفة للإسلام. سوف نجد أن الملك سلمان يعتبر أكثر إنسان ملتزم بالسعي لتحقيق السلام على جميع الجبهات.
السيد الرئيس، كما ترون، فإن صداقتنا متينة، دائمة وصادقة. لدينا القدرة على التواصل بشكل مفتوح، وعلينا أن نعترف بوجود خلافاتنا، ولكن العمل معًا على أساس من الشعور المشترك بقيم العدالة يعتبر أقوى ما نملك من أصول. في الواقع، فإن عظمة أميركا وقوتها لا تكمنان في جيشها، ولكن في بوصلتها الأخلاقية وشعورها بالعدالة. إن القدرة الأميركية على بناء الجسور وتشجيع الحوار والتقليل من شأن الخلافات، كل هذا سوف يعينك في أن تستمر في خدمة بلدك بصورة أفضل. ونحن كأصدقاء مخلصين لك، نريد أن نرى تطبيق هذه القوة في الضغط من أجل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وفي أن يوفروا أخيرًا للفلسطينيين دولتهم، وإعطائهم حقوقهم الكاملة كبشر مثل كل البشر.
السيد الرئيس، ما نريده منك أن تستمر في إقناع الإيرانيين بالتأكيد على ضمان أن يتوقفوا عن التدخل في شؤون المنطقة، وعدم القيام بتأجيج نيران الطائفية. وعليهم بناء الجسور مع جيرانهم العرب، وبدلاً من ذلك، نحن نعمل على بناء جسر إلى مصر. إننا نود أيضًا بناء جسرٍ من الاحترام والتجارة وإقامة حلول وسط مع إيران. وكما قال الرئيس جون كيندي: «نحن لسنا هنا لنلعن الظلام، ولكن على ضوء الشمعة التي يمكن أن توجهنا من خلال الظلام إلى مستقبل آمن ويقين»، نحن نعوّل عليكم، السيد الرئيس، للحفاظ على شمعة العدالة أن تحترق من أجل مستقبل أميركا ومن أجل مستقبل هذا العالم. ليس لك من شريكٍ أفضل يمكنه أن يتخذ هذه الخطوة العملاقة معك من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

* كاتب سعودي