نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مصر والسعودية.. قراءة مستقبلية

الجدل الدائر في العالم حول التطور بالغ الأهمية في العلاقة المصرية السعودية، يؤشر على أهمية ما حدث وأثره الكبير على مجريات الأحداث في المنطقة، ولا شك في أن ما أُنجز خلال زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى مصر يصلح للبناء عليه فيما يتصل في العلاقات العربية - العربية. إن ما حدث يستحق تحليلاً متأنيًا، وخصوصًا لفرص ومزايا امتداد هذه التجربة لتطال مساحات نوعية في الإقليم، والمرشح ولو سعوديًا على هذا الصعيد هي تركيا.
لنترك لخبراء الاقتصاد الحديث بالمعلومات الدقيقة عن المزايا المتبادلة للاتفاقيات التي تم توقيعها، ولنعتمد في تقويمنا العام لهذه الاتفاقيات على قاعدة المنافع المتبادلة التي ينبغي أن تكون أساس العلاقة الاقتصادية ليس بين السعودية ومصر فحسب، وإنما بين جميع الدول العربية التي لا يزال التعامل الاقتصادي فيما بينها يقل عن العشرة في المائة، وهذه نسبة لا جدال على أنها علة العلل في الوضع الاستراتيجي العربي.
لننظر إذن للطموح السياسي من وراء هذا المشروع الحيوي، بل والضروري في مرحلة العواصف والأعاصير التي تدك الكيانات والمجتمعات العربية بغية تفكيكها ولا أحد يعرف كيف يعاد تركيبها. مرحلة الصمود في وجه هذه العواصف استغرقت أربع سنوات، ولا أحد يعرف على وجه الدقة تاريخًا محددًا لهدوء العواصف وحصر الخسائر وترتيب الخرائط الجديدة، إلا أن الاستعداد لمرحلة ما بعد الهدوء لا بد أن يكون متزامنًا ومتداخلاً بالفكر والسلوك مع تحديات الوضع الراهن، فلن يكون لك في مرحلة الترتيبات الجديدة إلا بحجم وزنك الفعلي، وهنا لن تكتسب الأوزان بفعل قوة كل طرف على حدة، وإنما بفعل تحالفاته وجدارة هذه التحالفات باقتسام النفوذ وترسيم الخرائط النهائية.
في هذا السياق، ينبغي إدراك أهمية القفزة النوعية في العلاقة المصرية السعودية والتفكير بصورة مختلفة أو جديدة لجعل هذه العلاقة حجر زاوية على الصعيد العربي، مع معالجة عملية لوضع تركيا في هذا السياق، وأهم ما ينبغي أن يُبدأ به هو ترتيب علاقة موضوعية بين مصر وتركيا، فلم يبلغ العرب بعد حالة اليأس من الشقيق التركي الذي شرق وغرب كثيرًا في زمن العواصف والأنواء، وآن له أن يجد نفسه في معادلة إقليمية راسخة تمنحه قوة إضافية حتى في مجاله الأطلسي وتعطيه إمكانات أكثر فاعلية، تجاه الأزمات التي يواجهها، وهي ليست بالقليلة أو المسيطر عليها تمامًا في كل الحالات.
الوضع الدولي وعودة الحرب الباردة بين الأقطاب تحت ستار من وفاق مصطنع، لا بد أن يوفر للأذكياء مساحة أوسع من تلك المساحات الضيقة للغاية التي كانت تتحكم بها معادلات وقوى الحرب الباردة.
لم يعد باستطاعة دولة عظمى أن تضع «فيتو» على سلوك أي دولة إقليمية، ولا على نشوء علاقات مميزة بين دولتين أو عدة دول إقليمية، فما كان في زمن الحرب الباردة والنفوذ الماحق للدولتين العظميين، لم يعد قائمًا بالتأثير ذاته في هذا الزمن، وما تم بين السعودية ومصر والذي أُيد دوليًا برضا أو على مضض، يكتسب أهميته وفاعليته من مدى رسوخه وتطوره وإدامة نموه، ذلك أن ما حدث ينبغي ألا يكون لمجرد معالجة وضع راهن على أهمية ذلك، بقدر ما هو مشروع بحجم المهمات الملقاة على عاتق دولتين عملاقتين يرتبط كياناهما بأدائهما المشترك لتحديات الراهن ومتطلبات المستقبل القريب والبعيد، ولن يكون بمعزل عن الترتيبات المستقبلية إنهاء المعضلة الفلسطينية من خلال حل إقليمي دولي بعد أن يئس الجميع من الحل الثنائي حتى لو كان التدخل الدولي فيه كثيفًا ومتصلاً.
أتذكر حين كان يمر على العرب ساعات إحباط يرد عليها بنزق: كيف طالب البعض بإلغاء المبادرة العربية للسلام ذات المنشأ السعودي، وكان حكيمًا القول آنذاك: لتبقَ هذه المبادرة على الطاولة، فهي أفضل كثيرًا من الفراغ، قد لا يكون موضوعيًا تحرك هذه المبادرة اليوم بحكم عوامل نعرفها جيدًا، إلا أن بقاءها على الطاولة صار أساسيًا وذا مصداقية قد تكون افتقرت إليها فيما مضى.