أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

لماذا فشلت «مقامرة» أوباما؟

يوقع الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال الأيام القليلة القادمة على أمر تنفيذي جديد بشأن تمديد تعليق بعض العقوبات ضد إيران، في سياق اتفاق ضمني غير موقع عليه يهدف إلى كبح جماح البرنامج النووي الإيراني.
تقول واشنطن «إن إيران التزمت بتعهداتها من الاتفاق ضمن ما يسمى بخطة العمل الشاملة المشتركة». ومع ذلك، ونظرًا لأن هذه الخطة ليست معاهدة دولية، ولا هي اتفاقًا ملزمًا لأي طرف، فلا يمكن لأوباما رفع العقوبات عن إيران بكل بساطة. وكل ما يستطيع الرئيس الأميركي فعله هو تعليق العمل ببعض من تلك العقوبات لفترات من الوقت تراوح بين 90 و180 يومًا بحد أقصى. ولقد مرر الكونغرس الأميركي، ابتداء من عام 1995، سلسلة من القوانين المعنية بفرض العقوبات على إيران، ولكنه منح الرئيس حق اتخاذ القرار في كيفية سريان العقوبات ودخولها حيز التنفيذ. ولقد وقع الرؤساء كلينتون، وجورج دبليو بوش وأوباما، الأوامر التنفيذية التي صعّدت من تلك العقوبات، ولكنهم كانوا غير قادرين بمنتهى البساطة على رفعها تمامًا.
أكد المسؤولون في إدارة الرئيس أوباما، رغم ذلك، أن العقوبات الأميركية الأخرى بحق إيران سيستمر العمل بها. حيث صرح جاكوب ليو، وزير الخزانة الأميركي، في يناير (كانون الثاني) من هذا العام قائلاً «إننا جميعنا نستهدف الأنشطة الموجبة للعقوبات، بما في ذلك تلك الأنشطة ذات الصلة بدعم إيران للإرهاب الدولي، وعدم الاستقرار الإقليمي، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتطوير القدرات الصاروخية الباليستية».
والأمر التنفيذي، من ثماني صفحات، الذي يعزم الرئيس الأميركي التوقيع عليه، يوقف عمل أربعة أوامر تنفيذية أخرى، ويعدل من صيغة أمر تنفيذي خامس. ولكن هناك ثمانية أوامر تنفيذية أخرى تتعلق بفرض العقوبات الأميركية على إيران، لا تزال سارية المفعول من دون تغيير بشأنها.
أيضًا، ومع ذلك، فإن الرفع الكامل لحزمة العقوبات الدولية المفروضة على إيران هو عين ما تعهد به الرئيس الإيراني حسن روحاني، وفريقه الرئاسي المعروف داخليًا باسم «فتيان نيويورك».
أعلن الرئيس روحاني في يوليو (تموز) الماضي، أن إيران لن توقع على شيء ما لم «يتم رفع العقوبات كافة في اليوم نفسه». وسواء وقع الرئيس الإيراني ضحية أوهامه الذاتية، أو لعله تلقى وعودًا كاذبة من قبل الأميركيين، فتلك نقطة نقاش هامشية.
ففي نهاية المطاف، لم يتم رفع أي عقوبات عن إيران، ولم توقع الأخيرة على أي شيء في المقابل.
بدلاً من ذلك، قررت الإدارة الأميركية مع الفصيل الموالي لرفسنجاني، والذي يعد روحاني أحد أضلاعه، المراوغة حول القضية عن طريق اختراع ما يعرف بـ«الاتفاقية غير الرسمية»، وهي الوثيقة التي تبلغ صفحاتها 179 صفحة، لكنها لا تزال تعد «غير رسمية»؛ نظرًا لأنه ما من أحد قد وقع عليها حتى الآن.
أعلن روحاني تلك الخطوة، واصفًا إياها بأنها «أعظم انتصار دبلوماسي في تاريخ الإسلام». ولقد كان أوباما على القدر نفسه من الابتهاج والجزل في مدحه لـ«الفرصة التي تتاح مرة واحدة في الحياة».
وكان وصف الملالي في إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة هو المختصر الفارسي المعروف باسم «بارجام».
وبعد ما يقرب من أربعة أشهر يبدو أن الرئيس روحاني اعتبر أن «بارجام» هي عبارة عن سلسلة من التحركات عبر مجموعة من القضايا، بدلاً من كونها حادثة مفردة ذات تركيز محدد على النزاع النووي. وكان ذلك هو السبب وراء حديثه الأخير حول «بارجام» الثانية و«بارجام» الثالثة... وهكذا دواليك.
ولكن ما الذي يعنيه الرئيس الإيراني؟
نظرا لأن الملالي في إيران لا يتحدثون صراحة قط، فلا يمكن للمرء سوى التكهن بشأن الإجابة. قد يساور الرئيس الإيراني الآمال بأن الاتفاق غير الرسمي سيساعده في إطلاق الخطة «بارجام» الثانية في صورة جهود منسقة لكسب السيطرة على مجلس الشورى الإسلامي، أو ما يعرف بالبرلمان الإيراني المصطنع، ومجلس الخبراء، الذي من صلاحياته اختيار «المرشد الإيراني الأعلى » أو رفضه.
من الواضح أن أوباما قد قامر حول تلك الآمال، وفعل كل ما في وسعه لمساعدة الفصيل الموالي لرفسنجاني.
أفرج أوباما عن 1.7 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة قرابة نهاية السنة الإيرانية لمساعدة روحاني في سداد مكافآت نهاية العام وسداد الرواتب المتأخرة لبعض من الموظفين الحكوميين عشية الانتخابات.
ومن سوء الطالع بالنسبة لأوباما، وعلى الرغم من أن الفصيل الموالي لرفسنجاني قد أحسن صنعًا في انتخابات طهران، إلا أنه أخفق في الفوز في انتخابات أي من المجلسين الكبيرين الحاسمين. وبالتالي، فإن السيناريو الذي سيُغلق «المعتدلون» هذا الفصل من المسرحية الثورية الإيرانية، ويحولون إيران إلى دولة قومية طبيعية وفقًا له، قد واجه عقبة كبيرة في الطريق.
وكانت خطة «بارجام» الثالثة لدى روحاني من المفترض أن تأتي في صورة تحول في الاقتصاد الإيراني، والذي ظل يعيش على جهاز الإنعاش منذ عام 2012، وفي جزء من ذلك يرجع إلى الهبوط العالمي الكبير في أسعار النفط. وتقدر الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج بما بين 50 و150 مليار دولار، والتي إذا ما أتيحت للحكومة الإيرانية، يمكنها المساعدة في إحياء اقتصاد البلاد المحتضر.
ومع ذلك، فلم يحدث من ذلك شيء.
بعض الدول المدينة لإيران بمبالغ تصل إلى 28 مليار دولار، مثل الصين والهند، عرضت سداد ديونها عن طريق السلع والخدمات، مما يعد دعوة فاعلة موجهة إلى إيران للدخول في المقايضات التجارية. ولكن جُل الأموال، المحتجزة في المصارف الغربية، لا يمكن الإفراج عنها فورًا بسبب أن تلك العملية تتطلب مجموعة معقدة من الإجراءات من قبل واشنطن، والتعاون المسبق بين المصارف الأميركية والأوروبية.
ووفقا لتصريح صادر عن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في فبراير (شباط) الماضي، فإن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قد تعهد بـ«العمل الجاد على إزالة العقبات المالية عن طريق إيران»؛ حتى يتسنى للجمهورية الإسلامية الوصول إلى أصولها المجمدة لدى الغرب.
ويعتقد بعض المحللين، أن واشنطن تتباطأ في التحرك حول هذه المسألة؛ انتظارًا لما تسفر عنه نتائج الانتخابات الإيرانية في مارس (آذار). ونظرًا لأن الفصيل الموالي لرفسنجاني لم يفلح في تأمين الفوز في الانتخابات، كما تعهد، انقضى السبب لدى واشنطن التي كانت لأجله ستسرع من عملية وصول إيران إلى الأموال المجمدة في المصارف الغربية، التي يمكن استخدامها من قبل المعسكر المتطرف في طهران في مواصلة تنفيذ الطموحات الثورية الإيرانية.
ومن شأن الخطة «بارجام» الثالثة أن تهدف إلى مضاعفة العلاقات التجارية الإيرانية، وخصوصًا مع دول الاتحاد الأوروبي. ويعلم الملالي في إيران أن الاتحاد الأوروبي يعاني حالة ركود اقتصادي عميقة، ودول الاتحاد متعطشة للتعاقدات الباهظة مع طهران. ولقد كان روحاني مستعدًا أيما استعداد للرضوخ.
ولقد عمد الرئيس الإيراني، عبر سلسلة متوالية من الزيارات إلى مختلف العواصم الأوروبية إلى جانب استضافة عديد من الزعماء الأوروبيين في طهران، إلى التوقيع على التعاقد تلو التعاقد. ووفقًا لتقديري، وبأي حالة من الأحوال الشاملة، فإنه قد وقع على ما مجموعه 85 تعاقدًا بقيمة إجمالية تبلغ نحو 100 مليار دولار مع 15 دولة أوروبية. ولقد أشرف وزير النفط بيغن زنكنه على إعداد الخطط التي تتطلب ما يربو على 300 مليار دولار من الاستثمارات في موارد النفط والغاز الطبيعي الإيرانية.
فلنطلق عليها اسم «حمى التوقيع»، أو متلازمة التوقيع التعاقدي المجرد، إذا ما شئتم، ولكن هناك حقيقة مفادها أن «إيران ليست لديها ذلك القدر من الأموال».
يقول وزير النقل في الجمهورية الإسلامية، عباس أخوندي، وهو على ما يبدو رجل على مستوى المسؤولية: إن «إيران ستبتاع الأشياء التي وقعت على التعاقدات بشأنها إذا ما وفر البائعون الأموال اللازمة لإتمام التعاقدات».
بعبارة أخرى، قد تجد إيران نفسها في القريب العاجل في وسط سوق رأس المال العالمية باحثة عن القروض الضخمة!
تدرك الدول الأوروبية، والدول الأخرى التي وقعت معها إيران على التعاقدات، أن الجمهورية الإسلامية تفتقر وبشدة إلى الأموال. ولكنهم يعلمون كذلك أن إيران تملك ضمانات في صورة الموارد الضخمة من النفط والغاز المحلي، وتعداد سكاني يبلغ 78 مليون نسمة، وطبقة وسطى ذات ارتياح معقول، ومجال واسع من التنمية الزراعية والصناعية. وإنها لتسديدة موفقة، غير أنها ليست تسديدة بأي حال من الأحوال. وخلاصة القول، تحتاج إيران إلى أن تتحول إلى دولة مدينة؛ حتى يمكنها الانضمام إلى النظام المالي العالمي، وهي الاستراتيجية نفسها التي اعتمدها بوريس يلتسين، الرئيس الروسي الأسبق، في أعقاب انهيار الإمبراطورية السوفياتية.
ولكن الآن، وفي هذا التوقيت بالضبط، يطلق المرشد الأعلى خامنئي استراتيجية «الاقتصاد المقاوم» من الاعتماد على الذات، والحد من التجارة الخارجية. فعدنا من حيث بدأنا.
ليس بمقدور إيران تغيير المسار حيال أي قضية حتى تتمكن من تسوية الصراع الداخلي على السلطة في المركز الذي يدور الجدال فيه حول سؤال واحد: هل تريد إيران لأن تصبح دولة أم مجرد ثورة؟