طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

كذبة أبريل وكذبة الطائرة!

نعم، عشنا جميعًا نهاية سعيدة، بعد أن اتضح في المشاهد الأخيرة أن خاطف الطائرة المصرية لم يكن يرتدي حزامًا ناسفًا ولا أي شيء سوى زجاجة عطر صغيرة مسموح بالصعود بها. حاول المختطف أن يضفي على روايته بُعدًا رومانسيًا وهو ما نفته بعدها تمامًا طليقته القبرصية، الأهم أنه لم تكن هناك خسائر في الأرواح، فاعتبر كُثر ما حدث أشبه بفيلم رعب ينتمي إلى تلفزيون الواقع، وبعد أن شاهدناه ونجا الجميع من الكارثة، خرجنا من دار العرض وتنفسنا الصعداء. وأثنى كل خبراء الطيران على حسن تصرف قائد الطائرة وكل الطاقم، خاصة المضيفة التي لعبت دورًا أشبه بالطبيب النفسي في ترويض المختطف حتى لا يرتكب أي حماقة تزيد الموقف ارتباكً. الحادث مر سريعا وربما يُصبح هدفًا لعدد من كتاب الدراما، فهو ينطوي على الكثير من المفارقات الكوميدية، مثل صور «السيلفي» التي كان يحرص على التقاطها مع الركاب، وهي التي ساعدت جهات التحقيق في الكشف السريع عن هويته، إلا أنه ولا شك هناك أخطاء قاتلة وقعت فيها «الميديا» كلها وهي في حالة لهاث للإمساك بالحقيقة.
تورطت المواقع الإلكترونية والفضائيات وانتقل الخطأ كالعادة للصحافة الورقية أثناء تغطيتها الحادث؛ الكل كان حريصًا على أن يكتب اسم الفاعل فإذا لم يجده اخترع له اسمًا، كتبوا مثلاً اسم طبيب وأستاذ جامعي قبل أن يكذب أهله تلك الرواية، ولم يكتفوا بهذا القسط بل نشروا صورة لزوجته القبرصية، هكذا اعتقدوا، واتضح بعدها أنها لمذيعة مصرية تعمل في إحدى القنوات خارج الحدود، ثم عادوا ونشروا الصورة الحقيقية لزوجته، التي لم تفضح فقط زيف المختطف ولكنها في نفس الوقت فضحت زيف المواقع الإخبارية التي تسابقت في البحث عن سبق، ولا يهم أنهم أثناء السعي قد يتورطون في إيذاء مشاعر العشرات من الأبرياء.
عبر التاريخ كثيرًا ما تقع الصحافة ضحية لتلك الأخبار، إلا أن دخول النت طرفًا حديثًا زاد من فداحة التورط، حيث إن السرعة يزداد إيقاعها. سبق وأن أشرت هنا في تلك المساحة إلى أن «ألزهايمر» عمر الشريف كشف كذبنا، لأنه عند رحيل فاتن حمامة كان الشريف قد تمكن منه المرض، وكما صرح ابنه طارق بأنه لم يدرك أن فاتن قد رحلت وكان بين الحين والآخر يسأله عنها، بينما الصحافة أشارت إلى أن الشريف حزين وأنه بسبب خوفه من الزحام لم يستطع تشييع جثمانها، وأتذكر أيضًا أن الصحافة لم تكن تعرف وجه زوجها دكتور محمد عبد الوهاب أستاذ الأشعة الكبير الذي استمر 40 عامًا رفيقًا لفاتن في مشوار الحياة، لأنه كان بطبعه عزوفًا عن الإعلام، وهكذا وقع الاختيار على رجل يبكي بجوار نعش فاتن وقالوا إنه هو الدكتور عبد الوهاب وهو ما روّجت له أيضًا كل الفضائيات.
في الماضي كان الخطأ الصحافي يصبح مدعاة للتندر بين أهل المهنة، وأخشي أننا مع الأيام سوف نعتبر أن الخبر الصحيح هو الاستثناء الذي يدعونا للتندر. يذكرني الصحافي الذي يسارع بكتابة الخبر فيقتل مصداقيته مباشرة بذَكر النحل في الخلية الذي يطير في موسم التلقيح وراء الملكة وبعد أن ينجح في الظفر بها تنتهي حياته تمامًا. المشكلة أن الحياة المهنية صارت ممتلئة بهؤلاء مهما ارتكبوا من أخطأ، وبعد أن ماتت الدهشة فلا يزالون يحلقون في سماء صاحبة الجلالة ولم يعد الكذب قاصرَا فقط على أول أبريل (نيسان). يبدو أن كل أيام السنة قد صارت أول أبريل!!