علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

عسكر.. وحرامية

لم يشهد العالم حالة خلط أوراق من قبل مثل التي نعيشها اليوم، حيث لا تبدو الخطوط واضحة ما بين الأعداء والأصدقاء، ونظريات المؤامرة التي تشبه الخيال تكسب أرضًا يومًا بعد يوم، وموجات الهجرة التي خلفت جيلاً ثانيًا وثالثًا لديه مشكلة في الهوية جعلت مجتمعات صناعية غربية تتشكك في وطنية مواطنيها، بينما ظهر سياسيون يطلقون حملات مشابهة للقرون الوسطى في مطاردة السحرة لكنها اليوم تستهدف تقريبًا المسلمين.
البعض يتحدث عن أنها مقدمات حرب عالمية ثالثة، ولديهم حق في ذلك، فالمؤشرات تبين أن حالة العته يمكن أن تتحول إلى جنون حقيقي يضغط فيه أحد على الزناد فتتحول إلى حرب حقيقية بين أمم وشعوب ودول، وجدار الشك موجود بالفعل بتصريحات من هنا وهناك.
حسب تقرير في صحيفة الـ«غارديان» البريطانية فإن اجتماعًا عقد في الرقة أو مدينة حدودية سورية سافرت إليه قيادات تنظيم داعش، هو الذي أطلق موجة الهجمات الأخيرة في أوروبا لنشر الفوضى في القارة العجوز بينما نسب تقرير آخر في الـ«تايمز» البريطانية إلى العاهل الأردني خلال اجتماعه مع أعضاء في الكونغرس الأميركي في يناير (كانون الثاني) تحذيره من حرب عالمية ثالثة، مشيرًا إلى وجود قوات خاصة بريطانية وأردنية في ليبيا لمحاربة الفرع الليبي لـ«داعش» هناك.
مشاهد الصور التي نقلت بعد هجمات بروكسل الأخيرة والحملة الأمنية التي غطت عدة عواصم أوروبية لتفكيك خلايا إرهابية هي مشاهد حرب حقيقية، خاصة مع الوجود المسلح للجنود والشرطة في الشوارع ومحطات المواصلات الرئيسية.
هي مشاهد أيضًا تشبه لعبة عسكر وحرامية التي كان يلعبها صغار في أوروبا من عائلات مهاجرة في أغلبهم ويبدو أن الكثير منهم بدأ حياته العملية كحرامي حقيقي أو مجرم سرقات صغيرة ثم تحول بقدرة قادر إلى متطرف يتصور أنه يدافع عن الإسلام بقتل الناس والترويع والإرهاب.
هذه المشاهد كانت تدور في المنطقة العربية أو دول إسلامية منذ فترة، لكنها الآن انتقلت لتبدو كموجة هجمات على أوروبا يضاف إليها موجة مهاجري البحر بمئات آلاف التي أشعلت موجة خوف من تغيير التركيبة السكانية واستيعاب مهاجرين قادمين بثقافات مختلفة.
مع كل هذا، فإن ذلك لا يدعو للاعتقاد بأن لعبة عسكر وحرامية هذه، وهي مهمة أجهزة إنفاذ القانون يمكن أن تتحول إلى حرب عالمية إلا إذا كانت هناك دول أطراف في هذه اللعبة لحسابات معينة قد تجرف معها اللاعبين واللعبة كلها.
أول الأطراف التي تسعى إلى حرب عالمية هي «داعش» نفسها التي لا تخفي طموحها في أن تتحول من مجرد عصابة إلى دولة بدليل الاسم الذي اتخذته لنفسها. وخطواتها في السيطرة على مناطق عراقية وسورية وآبار نفط لتوفير موارد جزء من محاولاتها التحول إلى دولة، لكن هدفها الاستراتيجي الحقيقي هو في ليبيا، حيث توجد ثروة نفطية حقيقية وربما الجزائر بدليل عدة محاولات تسلل إلى حقول غاز ونفط هناك.
ويصعب تصور أن «داعش» تتحرك هكذا في الفراغ، فالقيادات وصهاريج النفط وقوافل المسلحين التي تتنقل في طرق صحراوية مفتوحة في العراق وسوريا وليبيا من المؤكد أن أقمار التجسس الصناعية ترصدها، وتعرف حركتها، كما أن تهريب النفط يحتاج إلى تجار ومشترين وحسابات مصرفية لإيداع الأموال.
لقد نمت «داعش» وأصبحت ظاهرة مستفيدة من الفوضى التي حدثت في أعقاب الربيع العربي والصدام بين قوى إقليمية ودولية متنافسة تريد أن تكون المنطقة حسب رؤيتها، سواء كان صحيًا أو سلبيًا، ومن المحزن أن يكون نتيجة الانتفاضات التي حدثت للمطالبة بحريات أو مستويات معيشة وفرص عمل أفضل، هي البغدادي وأقرانه أو حربًا تترك دمارًا وخرابًا.
لذلك، فإن الأفضل أن تظل المشكلة في إطار عسكر وحرامية، كما كان التعامل سابقًا مع ظواهر إرهابية مثل كارلوس والجيش الأحمر وبادر ماينهوف.