لقد تبدلت الحال كثيرا، فلم نعد نتأثر بالعداء والشتيمة التي تلحق بنا؛ عربًا ومسلمين، بعد كل هجمة إرهابية في الغرب. هل لاحظتم تلك البلادة في حجم التفاعل المحلي مع كل حملات الكراهية والتحريض الحاصلة في أوروبا والولايات المتحدة بحق اللاجئين والعرب والمسلمين بعد اعتداءات بروكسل، وكأنه لم يعد يصيبنا ذاك الغضب الذي كان يجتاحنا سابقا؟ فهل اعتدنا أن تجاهر شخصيات وجماعات برفضها لنا أشخاصًا وثقافةً، أم إننا مشغولون بصراعاتنا الداخلية وبكراهيتنا بين طوائف وملل وأعراق؟ إن لم تكن هذه حالنا، فكيف يمكن للمضامين البائسة التي يطلقها مرشحو الرئاسة الأميركية حيال المسلمين، ألا تلقى عندنا ما تستحق لو لم نكن نشعر بالحرج حيال أن ننتقد تلك اللغة المقيتة، فيما نحن نعيش بين بعض النماذج المشابهة التي تغذي فضاءنا وصحفنا ومجالاتنا العامة، بجرعات سامة من شتائم وتحريض ضد مذاهب وجنسيات وأديان؟
لقد فقدنا تدريجيًا الحق في انتقاد من يحرض ضد المسلمين أو العرب أو اللاجئين، لأننا ببساطة واقعون في الفخ نفسه، فالأرجح أننا سنشعر بتناقض حقيقي في أن نعلي الصوت ضد مطالبة المرشح الجمهوري تيد كروز، بأن تسير دوريات شرطة في أحياء المسلمين، فيما يرتكب البعض منا في بلادنا ما فظائع.
نحن في موقع المتفرج، خصوصا أن من يبادر للرد على حملات الكراهية والإسلاموفوبيا هم من الغرب أيضًا، فلا منة لنا على أنفسنا أو على غيرنا.. فوسم «أوقفوا الإسلام» التحريضي الذي شاع عقب اعتداءات بروكسل، سريعًا ما انقلب حملة تضامن من قبل أفراد كثيرين في الغرب أيضًا، رفضوا تلك اللغة رغم تبنيها من كثيرين، ولأن هناك من تجند لمواجهة الإسلاموفوبيا.. بل حتى الدعوة التي أطلقها كروز لتسيير دوريات في مناطق المسلمين في أميركا، رد عليها مسؤولون في الشرطة المحلية على نحو بليغ وحاسم في رفض تلك اللغة وإدانتها.
الأرجح أننا سنلازم موقع المتفرج حيال ذاك السجال الحاصل حول العرب والمسلمين واللاجئين، وسنبقى ضعيفي المبادرة والحجة ما دمنا غارقين في أوحال الاستقطاب المذهبي والعصبيات المحلية، لكن هذا لا يعفينا من المسؤولية، فمواجهة التطرف أحد أهم تحديات عصرنا، لكن مواجهة هذه المشكلة لن تحصل عبر وسم سطحي مقيت مثل وسم «أوقفوا الإسلام» تماما كما أن مشكلاتنا في بلادنا لن تحل، قبل أن نحسم كيف ننظر إلى هوياتنا، وكيف ستكون علاقاتنا بالآخرين. في بلجيكا بدأ الإعلام يتحدث عن مسؤولية انقسام المجتمع البلجيكي، وعن ضعف سياسات الاندماج، وعن شقاق اجتماعي وعائلي سبب جنوح الفتية الذين يرتكبون تلك الجرائم، وليس إسلامهم سوى المحطة الأخيرة في ذلك الجنوح. وهنا لسنا في وارد إعفاء المضامين الدينية المتطرفة من المسؤولية، لكن هناك أبعاد أكثر عمقًا بدأ الغرب في نقاشها.
بالتأكيد تقع على عاتقنا مسؤولية مضاعفة في بحث أسباب انقسامنا فيما يتعدى ذاك التسطيح المتعمد في أننا سنة وشيعة، وفي أننا أبناء قوميات وأعراق، ولنتمعن أكثر في الظروف السياسية والاجتماعية ومناطق الوهن والتذرر، التي استثمرت فيها الأنظمة والجماعات المتطرفة عندنا.. حينها ربما نشفى من الإسلاموفوبيا.
[email protected]
8:2 دقيقه
TT
لنشفَ نحن أولاً
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة