جوزيه غرازيانو دا سيلفا
TT

اهتموا بنخيل التمر رمز الحضارة والقدرة على الصمود

يوم اعتمدت الأسرة الدولية أجندة التنمية المستدامة لعام 2030، فإنها اختارت - مجتمعة - الانطلاق إلى عالم خالٍ من الجوع والفقر المدقع، عالم نعتني فيه بكوكبنا بطريقة أفضل مما فعلنا في السابق.
وعندما نزور أبوظبي، تذكرنا هذه الإمارة مرة بعد مرة بالعلاقة الجوهرية والتلازم بين الممارسات الزراعية المستدامة، وبين قدرة البشر على الصمود وتحمل المشقات. وتفتخر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة بالشراكة مع جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، التي تعتبر مبادرة رائدة ساهمت على مدى سنوات عدة في تسليط الضوء على أهمية نخيل التمر في واحات الإمارات وخارجها.
وكما في كثير من الدول العربية الأخرى، ارتبط تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة وازدهارها بشجرة واحدة، هي شجرة نخيل التمر، التي يعود أول آثارها إلى العصر الحجري الحديث، وقد ثبت أن أجدادنا قاموا بزراعتها منذ أكثر من 6000 سنة. إن هذه الشجرة الفريدة قادرة على تحمل الحرارة العالية والظروف المناخية الصعبة، حتى إن جذعها قادر على تخزين المواد المغذية التي تتيح للشجرة مقاومة الجفاف.
وبالفعل، فإن النخلة شجرة مدهشة. فالنخلة مفيدة بكل مكوناتها، من ثمار وجذع وجريد وسعف، ولكل منها استخداماته وقيمته الاقتصادية. فالنخلة تؤمن الغذاء والوقود، والمواد المستخدمة في صنع الحبال والسلال وصنع المفروشات وبناء المنازل. وتتميز ثمرة النخيل، التمرة، بخصائص غذائية فريدة، فالتمرة مصدر فوري للطاقة، وهي غنية بفيتامينات ألف ودال وباء1، بالإضافة إلى الألياف والمغنيسيوم والبوتاسيوم.
ومثلها مثل كل الأغذية الأساسية، كالقمح والأرز والبطاطس، فإن تمور النخيل لعبت دورا في الثقافة والتاريخ، لأنها ثمرة خفيفة الوزن وسهلة النقل، كانت التمرة الغذاء المثالي لسكان الصحارى. وقد نقل التجار العرب نخيل التمر إلى الأندلس في ذروة النهضة العربية في شبه الجزيرة الإسبانية. والمهاجرون الإسبان وإرسالياتهم نقلوا بدورهم نخيل التمر إلى الأميركيتين، فانتشرت من كوبا إلى المكسيك وكاليفورنيا. وهذا يؤكد المقولة الشهيرة لمؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: «أعطوني زراعة، أُعطِكم حضارة».
نحن ندين بالكثير لنخيل التمر، وعلينا أن نهتم بها ونرعاها. علينا أن نبدأ بالتوعية حول فوائدها المتعددة، من دون أن نغفل دورها الدقيق في التوازن الأيكولوجي، إذ إن نظام الواحات يلعب دورًا رئيسيًا في الحفاظ على التنوع البيولوجي.
لقد نجحت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، مع شركاء آخرين، في العام الماضي في إضافة واحتي «العين» و«ليوا» إلى عدد متزايد من النظم الإيكولوجية التي تقرّ منظمة «فاو» بأهميتها رسميًا على الصعيد الدولي باعتبارها مستودعات حية للموارد الوراثية والتنوع البيولوجي والتراث الثقافي.
ويتمثل اهتمام الفاو بنخيل التمر من خلال تطبيقها أكثر من 30 مشروعًا في أكثر من 25 بلدًا في آسيا وأفريقيا على مدى ثلاثة عقود. وتتنوع هذه التدخلات بين البرامج والأنشطة التدريبية، والاستشارات التقنية والمشاريع، وكلها تهدف إلى إعادة تأهيل القطاعات المنتجة لنخيل التمر والتي تأثرت بالكوارث والأزمات الأخرى.
وتعمل الفاو بشكل خاص على التصدي لتفشي سوسة النخيل الحمراء، العدو الأكثر تدميرًا لنخيل التمر، التي بدأ ظهورها في منطقة الخليج منذ منتصف الثمانينات، وانتشرت غربًا على مدى العقود الثلاثة المنصرمة لتشمل معظم الدول في إقليم الشرق الأدنى وشمال أفريقيا.
وبالإضافة إلى مكافحة الآفات، تتعاون الفاو مع دولة الإمارات العربية المتحدة في إقامة أول قاعدة بيانات متكاملة للغطاء النباتي، تشمل ترقيم أشجار النخيل واحتساب كميات المياه المستخدمة في الزراعة لإدارة هذه الموارد بشكل أفضل. كما أن الفاو مهتمة، وتمتلك الخبرة المناسبة، للمساهمة في تطوير صناعة التمور في دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف التعرف على ممارسات فضلى يمكن اعتمادها في دول أخرى في المنطقة، وفي مناطق أخرى من العالم.
ولا بد لنا أن نتذكر أن أشجار نخيل التمر تشكل بالنسبة إلى شعوب المنطقة أكثر بكثير من مجرد غذاء، إذ إنها جزء لا يتجزأ من تاريخهم وهويتهم الثقافية، وإن علينا أن نستمر في غرس هذه القيم من خلال رعايتنا لشجرة نخيل التمر.

* المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)