مارك شامبيون
TT

إيران: رفع العقوبات لم يحقق الكثير

من المفترض أن يؤدي الاتفاق النووي المبرم مع إيران في وقت سابق من هذا العام إلى تدفق أكثر من مائة مليار دولار من الأصول المجمدة على البلاد - ما يعادل ربع إجمالي الناتج المحلي لها. في الوقت ذاته، تخوض إيران حروبًا في العراق وسوريا واليمن، وتمد «حزب الله» اللبناني بالسلاح، وكذلك «حماس» في غزة، وتجري اختبارات لصواريخها الباليستية القادرة على ضرب أهداف داخل إسرائيل. وبذلك يتضح أنه لا خير يمكن توقعه حال وصول ولو مجرد جزء من تلك الأموال، إلى فيالق الحرس الثوري الإيراني.
إلا أن الأسبوع الذي قضيته في طهران، خلق لدي قناعة بأن الأموال التي ستنهال على إيران نتيجة رفع العقوبات، لن تكون كافية على الإطلاق لتعويض الخسائر السنوية التي تتكبدها البلاد جراء تراجع أسعار النفط.
من ناحيتها، تشير التوقعات الحكومية للعام المقبل إلى أن عائدات النفط ستبلغ 23 مليار دولار فقط، مقارنة بالذروة التي وصلتها عام 2011، وبلغت مائة مليار دولار. وتبعًا لما صرح به سعيد لايلاز، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، فإنه حتى إذا عادت صادرات النفط إلى حجمها خلال فترة ما قبل العقوبات، عند مستوى 40 دولارًا للبرميل، فإن هذا سيجلب إلى الحكومة نصف العائدات التي حصدتها عام 2013، خلال ذروة العقوبات.
وعليه، فإن العائدات التي ستجنيها البلاد من وراء إلغاء تجميد الأصول الإيرانية بالخارج والبالغة مائة مليار دولار، ستفلح في إعادة الوضع المالي للحكومة لما كان عليه قبل فرض العقوبات لمدة عام واحد فقط تقريبًا. وبعد ذلك، تدخل الحكومة في معاناة جديدة.
من جهتها، قدرت الحكومة الأميركية قيمة الأصول غير المجمدة، التي ستجري إعادتها لإيران فيما بين 50 و55 مليار دولار. ونظرًا لأن إدارة أوباما لها مصلحة سياسية في الإبقاء على العائدات المالية التي تجنيها طهران من وراء الاتفاق منخفضة، فإن علينا النظر لهذه الأرقام باعتبارها أحد التقديرات المطروحة.
في المقابل، قال مستشار للرئيس الإيراني حسن روحاني إن الحكومة أصبحت قادرة على الوصول إلى مائة مليار دولار بالفعل. ورغم أن هذا قد يكون صحيحًا، فإنه لم تشرع بعد أي مصارف مقاصة في التعامل مع أموال إيرانية، وبالتالي لا يزال من المتعذر إعادتها لإيران. وبالنظر إلى أن الاتفاق النووي أثار داخل إيران لغطًا كبيرًا لا يقل عما أثاره داخل الولايات المتحدة، فإن لروحاني مصلحة في جعل الرقم يبدو في أكبر صورة ممكنة. وعليه، علينا النظر إلى هذا الرقم أيضًا كأحد التقديرات المطروحة.
تأتي وجهة نظر أخرى من جانب أصحاب أعمال داخل طهران، والذين يعتقدون أن كلا الرقمين مرتفعان للغاية، وأبدوا تفضيلهم للتقدير الأقل الذي طرحته وزارة الخزانة الأميركية، والذي يعتبرونه الأقل واقعية. بعد ذلك، استقطعوا منه المبلغ الذي سحبته الحكومة من المصرف المركزي، وبالتالي ستضطر لإعادتها، بجانب مليارات أخرى تعهدت الحكومة بدفعها كضمان لمشروعات استثمارية جار تنفيذها بالفعل.
ويكشف حكم الإعدام الذي صدر مؤخرًا بحق تاجر النفط باباك زنجاني، لاستيلائه خلال فترة العقوبات على 2.7 مليار دولار من الشركة الوطنية للنفط، أن هناك أموالا أخرى لن تعود لإيران.
إلا أنه داخل طهران، هناك شعور متزايد بالإحباط إزاء عدم تحقق أي تقدم ملموس بالبلاد حتى الآن.
خلال مؤتمر نظمه مؤخرًا المصرف المركزي الإيراني وشركة «أوبن إيران» للمحاماة، خلصت جميع المناقشات تقريبًا إلى التساؤل ذاته: متى ستبدأ مصارف المقاصة البريطانية والألمانية والفرنسية الكبرى في تحويل أموال إيرانية بحيث يمكن الشروع في تنفيذ التعاقدات الأوروبية الموقعة خلال الشهور الأخيرة؟
من ناحيتها، ليس باستطاعة المصارف الأميركية تصفية الأموال الإيرانية، بسبب العقوبات السابقة للاتفاق النووي التي لا تزال سارية. وحتى الآن، لم تتحرك أي من المصارف الأوروبية الكبرى خوفًا من تعرضها لغرامات من جانب وزارة العدل الأميركية - إذا ما انهار الاتفاق النووي وعاودت العقوبات سريانها، أو إذا اتخذت الولايات المتحدة توجهًا متشددًا حيال التعامل مع الأموال الخاصة بشركات يتضح أن وراءها منتفعين لا يزالون على قائمة العقوبات. (هل تذكرون الـ9 مليارات دولار التي اضطر مصرف «بي إن بي باريباس» لدفعها عام 2014 لانتهاكه العقوبات الأميركية؟).
في تلك الأثناء، أخبرني مسؤولون ببعض المصارف الإيرانية الخاصة، مثل «ميدل إيست بانك» و«بانك ميلات»، أنهم اتخذوا بالفعل ترتيبات مع مؤسسات أوروبية أصغر لا تتعامل كثيرًا مع الولايات المتحدة. وسوف يكون باستطاعة تلك المؤسسات التعامل فقط مع الصفقات الأصغر حجمًا.
إلا أن القضية التي قد تكون أكثر إثارة للاهتمام عن القضايا العالقة المتعلقة بالعقوبات، أن أسعار النفط المنخفضة، قد تجبر الحكومة على الاعتماد بدرجة أكبر على الضرائب لتمويل خططها الاستثمارية. وأخبرني مسؤولون تنفيذيون بشركات إيرانية هنا أن مسؤولي الضرائب يعكفون بالفعل الآن على تفحص الإيصالات بعناية أكبر، على أمل زيادة العائدات الضريبية من خلال تقليص التكاليف القابلة للخصم من الضرائب.
وقد يحمل هذا التحول الاقتصادي في طياته تغييرًا أعمق. عن هذا، قال لايلاز: «لو كانت أسعار النفط لا تزال مرتفعة، لم يكن النظام ليحتاج إلى الضرائب. وإذا لم يحتاجوا للضرائب، فإن هذا يعني أنهم ليسوا بحاجة لأصوات المواطنين، وبالتالي بمقدورهم الضغط على المجتمع كيفما يحلو لهم. إنه ليس من قبيل المصادفة أن نجد أسوأ فترة في التاريخ الإيراني الحديث هي تلك السنوات الـ10 التي تولى خلالها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد رئاسة البلاد، وهي السنوات ذاتها التي وصلت أسعار النفط خلالها مستويات قياسية».
جدير بالذكر أن إحدى الدراسات خلصت إلى أن الكيانات المملوكة للحرس الثوري تملك شركات مدرجة بسوق الأسهم بقيمة تفوق 20 في المائة من إجمالي سوق الأسهم الإيرانية. وتقدر دراسات أخرى نصيب الحرس الثوري في الاقتصاد بـ40 في المائة. كما جرى الربط بين المرشد الأعلى وإمبراطورية اقتصادية بقيمة تقدر بـ95 مليار دولار.
ولا شك أن فرض ضرائب على هذه الشركات الخاضعة للحماية، وخلق اقتصاد تنافسي سيمثلان انتصارًا تاريخيًا لروحاني. وإذا تسبب الاضطرار في دفع ضرائب في فرض تكاليف دائمة على الحرس الثوري، فإن هذا سيعني تقلص نصيبه من الأصول الإيرانية المجمدة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»