غالية قباني
كاتبة وروائية سورية مقيمة في بريطانيا من اسرة «الشرق الأوسط»
TT

المعارضة السورية أنجزت «واجبها المنزلي».. فماذا عن الآخرين؟

للمرة الأولى، ربما، منذ انطلاق الثورة السورية، يتوحد صوت المعارضة ومن حوله الحاضنة الشعبية، في لحظة زمنية حساسة يفترض أن تفاوض على إنهاء الصراع الدائر في البلاد منذ خمس سنوات. فقد تشددت (الهيئة العليا للتفاوض) في الموقف من المشاركة بمفاوضات جنيف الحالية، وهي المعبّدة بشباك من التلاعب اللغوي في قرارات دولية وتصريحات إعلامية وبتصاعد القتل اليومي بصورة جنونية وغياب النية من النظام وكفيله الروسي لوقف إطلاق النار ولو لأيام التفاوض على الأقل.
عندما دعا ستيفان دي ميستورا في خطابه المتلفز، السوريين، يوم الخميس الماضي، إلى قول «خلص»، أو كفى، للقصف والقتل والدمار، طالبا منهم دعم بدء محادثات جنيف، لم يكن يدرك لحظتها أن هذا هو تماما ما تنطلق منه هيئة التفاوض المجتمعة في الرياض، في عدم التحاقها بركب جنيف، وأنها أرادت القول «كفى» تلاعبا بمصير شعب وعقد مسرحيات دولية تدعي المفاوضات، بينما إجراءات بناء الثقة من النظام الأسد وراعيته الدولية روسيا، لم تطبق ولا بحدها الأدنى. وهكذا بات الحديث عن إنجاز «الهوم وورك» الواجب المنزلي، الذي طالب به لافروف بعنجهية الرياض وعمّان، في أعقاب اجتماع فيينا وقبل اجتماع نيويورك، الأولى لتوحيد المعارضة في جسم واحد، والثانية لإنجاز قوائم الإرهاب. الأردن اقترحت قوائمها وانتهت، والسعودية جمعت المعارضة في جسم متماسك لم تشهده من قبل بهذا التماسك.
تبقى إذن دور موسكو وحليفها المحلي (الأسد) في الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم «2254». وتطالب المادة 12 من القرار الذي يهيئ للمفاوضات، بأن «توقف جميع الأطراف (فورًا) أي هجمات ضد المدنيين والأهداف المدنية»، بينما تؤكد المادة 13 «تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًا إلى مناطقهم الأصلية». فهل يحتاج الأمر إلى أن يكون هذا القرار موضوع تفاوض لأيام قد تطول أم في استحقاق التنفيذ الفوري؟
روسيا ومن وراءها إيران تتحكمان بالأرض السورية وأجوائها وبحرها.. وروسيا التي تدخلت في صياغة القرار الأممي وغيره من بيانات اجتماعات دولية أو ثنائية مع الرعاة الآخرين، أصرت على عدم التطرق إلى ذكر مصير الأسد بعد المرحلة الانتقالية، ونوهت هي وحلفاؤها القريبين والبعيدين، إلى حقه في الترشح مرة أخرى بعد 18 شهرا من تلك المرحلة، هو الذي أدار الأزمة أسوأ إدارة وأوصل سوريا إلى مرحلة المحاصصة، حتى صار لكل طامع في البلاد، نصيب.
على أية حال، أيا كان القرار الذي ستتخذه المعارضة، سواء ستصمد في جنيف أم تنسحب من المحادثات والمفاوضات، فإنها في تمنّعها عن الحضور في اليوم الأول، حصلت على ضمانات أميركية ومن الأمم المتحدة، بأن تكون مرجعية المؤتمر الحالي على أساس بيان جنيف 2012 وعلى أساس القرارات الأممية الأخرى. وهي في موافقتها على الذهاب (يفترض أن يصل وفدها الأحد)، فإنها قررت المشاركة في محاولة اختبار جدية الطرف الآخر في تنفيذ الالتزامات الدولية والمطالب الإنسانية، كمقدمة للعملية التفاوضية أولا، ثم إتماما لعملية الانتقال السياسي إن سمح النظام ووكيله الدولي بإتمامها من دون تلاعب بالأولويات، محاربة الإرهاب أم مناقشة الحكم الانتقالي، كما حدث قبل سنتين في مؤتمر جنيف 2.
لقد بات للمعارضة السورية، متمثلة بالهيئة العليا للمفاوضات، صوت واحد وموقف غير متشرذم، وحاضنة تثق بها وتدعمها بعد انقطاع ثقة طويل بينهما، وهذا بحد ذاته مكسب يتحقق بعد 5 سنوات على انتفاضة الشعب السوري.