زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

البحث عن إيمحوتب

إيمحوتب هو المهندس المصري العبقري الذي بنى هرم الملك زوسر - أول ملوك الأسرة الثالثة - منذ خمسة آلاف سنة، وهو أول مهندس معماري في تاريخ البشرية يبني عمودا وسقفا حجريا، ولذلك أسميه دائما أبا الثورة المعمارية في العالم - وشتان بين ثورات تعمر وتبني وأخرى تحرق وتدمر. كانت العمارة المصرية القديمة قبل ميلاد إيمحوتب تستخدم الطوب اللبن والأسقف النباتية أي المصنوعة من جذوع النخيل وأعواد البوص المدعم بالطين. وعلى يد إيمحوتب تحولت العمارة الطينية إلى عمارة الحجر، وخصوصا في العمائر الجنائزية مثل بناء الأهرامات والمقابر وكذلك العمائر الدينية مثل المعابد الرئيسية بالمدن والمقاطعات المصرية القديمة وبعض العمائر المدنية ولا سيما بناء السدود. لقد مكنت القدرات الهندسية لإيمحوتب أن يجري اختياره بواسطة الملك زوسر ليقوم ببناء أول هرم حجري في التاريخ، وذلك على الرغم من أنه - أي إيمحوتب - كان من عامة الشعب، وسمح له بالترقي حتى وصل إلى أن يكون الرجل الثاني بعد الملك في الدولة المصرية القديمة التي كانت ترعى الموهوبين والمتميزين من الشباب بغض النظر عن أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية.. وكان أعظم تشريف لإيمحوتب هو أن تسجل ألقابه واسمه على قاعدة تمثال ملكي بالحجم الطبيعي للملك زوسر، وهو الأمر الذي لم يحدث قبل أو بعد ذلك وطوال التاريخ المصري القديم.. ونعرف من خلال ألقاب إيمحوتب أن علوم الهندسة كان لها ارتباط وثيق بعلوم الفلك والحسابات الفلكية وتحديد الاتجاهات في الكون.
وظلت ذكرى هذا المهندس المعماري العبقري باقية في فنون وآداب مصر القديمة وحتى نهاية التاريخ القديم؛ وليس أدل على هذا أنه وبعد آلاف السنين من وفاته كان الكتاب والعلماء لا يزالون يتمتمون باسمه وينثرون الماء تيمنا بذكراه واستلهاما لعبقريته، وذلك قبل البدء في أي مشروع علمي أو أدبي! وعلى الرغم من شهرة إيمحوتب ومحبيه ومعجبيه طوال العصور الفرعونية فإن مكان مقبرته لم يعرفه أحد، وظلت مقبرة إيمحوتب من الأسرار التي لم تبح بها بعد الرمال المصرية، ولسنا وحدنا المشغولين بالبحث عن مقبرة إيمحوتب، ولكن القدماء أيضا كان يشغلهم مكان وشكل مقبرة المهندس العبقري. ولقد عثرت على أحد تماثيل إيمحوتب من البرونز مدفونة من العصر المتأخر أمام مقبرة الطبيب المصري قار، من الأسرة السادسة بمنطقة سقارة.. وعندما بنينا متحفا رائعا بسقارة أطلقنا عليه اسم إيمحوتب، ونتمنى يوما أن نضع به كنوز مقبرته. وكان من أول المهتمين بالبحث عن مقبرة إيمحوتب عالم الآثار الإنجليزي والتر إيمري، الذي حفر في كل مكان بسقارة يمكن أن تكون به مقبرة إيمحوتب، ومات قبل أن يحقق حلمه. وعندما زرت لأول مرة معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري بالأقصر منذ سنوات كثيرة، خطرت في ذهني فكرة أن يكون إيمحوتب مدفونا بمقبرة داخل أسوار المجموعة الهرمية للملك زوسر وتحديدا أسفل الهرم المدرج، وذلك تكريما له، مثلما كرمت الملكة حتشبسوت مهندسها المعماري سنموت وسمحت له ببناء مقبرة بالقرب من معبدها الجنائزي البديع.
إن هرم الملك زوسر هو الهرم الوحيد في الدولة القديمة الذي دفن أسفله الأميرات بنات الملك. وتصل أطوال السراديب الموجودة أسفل الهرم المدرج بسقارة إلى سبعة كيلومترات، ولذلك لا بد أن يكون إيمحوتب مدفونا أسفل الهرم الذي صممه.. كذلك عندما بدأت حفائري بالجانب الغربي للهرم المدرج عثرت على مقبرة من الأسرة الثانية.. ولا يزال البحث مستمرا عن إيمحوتب وعن أسرار الحضارة المصرية.