لا تختلف المصادر الطبية في أن الممارسة الطبيعية للعلاقة الجنسية ضمن إطار الزواج، أو ما يُسمى بـ«الجنس الصحي»، له فوائد صحية على الجانب النفسي والجانب البدني للإنسان. وقد يكون الجانب الصحي الأهم لممارسة الجنس في علاقة طبيعية مع شريك الحياة هو خفض مقدار ضغط الدم ومعدل نبض القلب وخفض مستوى التوتر النفسي. وهو ما أثبتته عدة دراسات طبية، وأكدت أن تلك التأثيرات تستمر لبضعة أيام، وتحديدًا يستمر الارتفاع لمدة أسبوع في نسبة هرمون أوكسيتوسن، أو ما يُسميه بعض الباحثين بـ«هرمون الثقة»، وذلك وفق ما أفادت به نتائج دراسة الدكتور ستيوارت برودي من جامعة بيزلي البريطانية في عام 2006 حول تأثيرات ممارسة النشاط الجنسي قبل مواجهة حالات من التوتر النفسي، وخصوصا على مقدار ضغط الدم ومعدل النبض، وأيضًا ما أفادت به نتائج دراسة الدكتور تيلمان كيرغر السويسري، حول التأثيرات الهرمونية للجماع بارتفاع هرمون برولاكتين الذي يُؤدي إلى بعث مزيد من الراحة الذهنية والنفسية عبر تعطيل التأثيرات الدماغية لمركبات دوبامين التي هي أحد مسببات الاكتئاب والتوتر، وأيضًا عبر زيادة إنتاج وإفراز الدماغ لمواد إندورفين، التي هي مواد تبعث الشعور باللذة وتُخفف الشعور بالألم.
وثمة مجموعة أخرى من الدراسات الطبية التي لاحظت أن تكرار ممارسة العملية الجنسية في ما بين مَن يعيش بعضهم مع بعض، أي الزوج والزوجة، يُؤدي إلى خفض مقدار ضغط الدم، وتحديدًا أن العناق والضم بين الزوجين يُخفض مقدار ضغط الدم لدى النساء بشكل أكبر مما يحصل لدى الرجال. ولاحظت دراسات متابعة طبية أخرى، استمر بعضها لمدة 20 سنة، أن ممارسة الرجل للعملية الجنسية مرتين أسبوعيًا يُخفّض بمقدار النصف احتمالات الإصابة بالنوبة القلبية القاتلة مقارنة مع مَن يمارسونها أقل من مرة في الشهر. هذا بالإضافة إلى ما تذكره الدكتورة جينا أوغدن، المتخصصة في طب الجنس بجامعة كمبريدج، أن أحد أسباب قيام الإنسان بالعملية الجنسية هو بحثه عما يرفع من شعوره باحترام الذات، وذلك يتم حينما يكون الجنس في علاقة من المحبة المترابطة.
وحينما لا ينظر الرجل إلى عملية الجماع كنشاط نفسي وبدني ذي مردود صحي له ولزوجته، يبقى السؤال لدى البعض: ما هو الطبيعي في تكرار القيام بعملية الجماع؟ أي سؤال «من باب العلم بالشيء» أو من «باب المقارنة للتأكد من الكفاءة» مع ما هو مطلوب لكي يكون الرجل طبيعيًا في «عطائه»، ولكن حينما يُنظر إلى عملية الجماع كنشاط نفسي وبدني ذي مردود صحي يكون السؤال أكثر جدوى بصيغة: ما هو الصحي والمفيد والأعلى مردودًا نفسيًا وسعادة في تكرار القيام بعملية الجماع؟
وكان الباحثون الكنديون من جامعة تورنتو ميسيساغا بمقاطعة أونتاريو قد عرضوا ضمن عدد 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لمجلة «علم النفس الاجتماعي وعلم الشخصية» Journal Social Psychological And Personality Science نتائج دراستهم حول موضوع: كيف يُؤثر تكرار عملية الجماع على الشعور بالصحة والسعادة والرفاه؟ وحلل الباحثون نتائج ثلاث دراسات طبية شملت أكثر من 30 ألف شخص.
ولاحظ الباحثون في نتائجهم أن نشاط الحياة الجنسية للزوجين مهم لشعورهم بالسعادة، ولكن هذا لا يعني أن عليهم أن يتصرفوا كالأرانب، وفق وصف الباحثين، بل إن أولئك الأزواج الذين يُمارسون العملية الجنسية مرة واحدة في الأسبوع هم الأكثر سعادة. وأضافوا أن زيادة تكرار الممارسة لأكثر من مرة واحدة في الأسبوع ليس سببًا في تعاسة العلاقة، ولكنه لا يُضيف الكثير. وعلقت الدكتورة إيمي ميس، الباحثة الرئيسة في الدراسة، بالقول: «بحثنا أفاد بأن الأزواج عليهم أن لا يهدفوا إلى زيادة تكرار ممارسة الجنس بأقصى قدر ممكن ولكن عليهم أن يهدفوا إلى إبقاء التواصل والحفاظ عليه، وليس بمستغرب أن البحث أظهر أن ممارسة الجنس شيء جيد وتكراره مفيد ولكن الحفاظ على الانتظام فيه وعلى حميمية العلاقة هما أكثر أهمية في توفير السعادة، وتكرار الجماع لا يُؤدي إلى مزيد من السعادة مقارنة بمرة واحدة في الأسبوع». كما لاحظ الباحثون أن هذه العلاقة بين ارتفاع مستوى السعادة وممارسة العملية الجنسية بانتظام مرة واحدة في الأسبوع هي فائدة تتحقق بغض النظر عن مقدار العمر ومدة فترة علاقة الزواج ولدى الأزواج والزوجات سواء بسواء.
وأضاف الباحثون أن النتائج هذه كانت على الأزواج المرتبطين رومانسيًا وعاطفيًا، أما غيرهم من العزاب فإن الباحثين لم يلاحظوا أن تكرار ممارسة العملية الجنسية يؤدي إلى إعطاء هؤلاء الأشخاص مزيدًا من السعادة. وذكر الباحثون أن ممارسة العملية الجنسية مرة في الأسبوع هو «الطبيعي» بين غالبية المتزوجين. وأضافت الدكتورة إيمي قائلة: «من المرجح أن الجنس الأسبوعي هو المعدل الطبيعي بين المتزوجين لأنه هو ما يُعطي أعلى قدر من السعادة والشعور بالرفاه، وهو كافٍ لإعطاء غالبية المتزوجين الشعور بأنهم نشيطون جنسيًا وأن لديهم حياة جنسية مفعمة بالحيوية». وأفاد الباحثون بأنه بالمقارنة ما بين المال والجنس بالنسبة للمتزوجين، فإن مستوى السعادة لدى مَن يمارسون الجماع مرة في الأسبوع أعلى بمقدار كبير مقارنة بمن يمارسونه مرة في الشهر، وهذا الفارق في مستوى السعادة لم يكن بهذا الحجم بين الشعور بالسعادة لدى من دخلهم السنوي أقل من 25 ألف دولار مقارنة بشعور من دخلهم السنوي 75 ألف دولار.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
