نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

إن لم تكن عالمية فما هي إذًا؟

لم يوافق الرئيس الأميركي أوباما على أن ما يجري على ساحة الشرق الأوسط هو حرب عالمية، مع أن مسؤولين كثرًا اقتربوا من هذا الوصف بل وتبنوه حرفيًا ومعهم كل الحق في ذلك. وإذا كانت الحربان العالميتان التقليديتان؛ الأولى والثانية، اتخذتا أوسع المساحات على سطح الكرة الأرضية، وأدت إلى قتل وإصابة عشرات الملايين من مختلف الجنسيات، فإن الحرب الحالية التي إن لم يوضع حد لها على المدى المنظور فهي مرشحة للامتداد زمنيًا وجغرافيًا وعلى نحو لا تُستبعد معه إمكانيات خسارة بشرية توازي أو تقترب أو قد تزيد على خسائر الحرب العالمية التقليدية الثانية.
وأجازف بالقول إن الحرب الراهنة على الإرهاب إن لم تكن أوسع مما سبقتها، فهي بكل تأكيد أكثر عمقًا وخطرًا، والحلول الحاسمة فيها أبعد منالاً، ذلك أن عوامل اشتعالها واتساعها لا تتوقف على قرارات الحكومات وسياساتها بقدر ما يحركها ويزيد من سعارها معتقدات وغرائز يصعب التحكم بها والسيطرة على تداعياتها، ثم إن الحرب على الإرهاب ونظرًا لبساطة سلاح ووسائل مشعليه من الطرف الآخر «الإرهابي»، ونظرًا كذلك لتجاوز فعلها الحدود الجغرافية للكيانات والدول، فأي إجراءات، والحالة هذه، يمكن أن تكون حاسمة بما يقتلع الإرهاب من جذوره وينهي ظاهرته إلى الأبد.
إن الإقرار بأن الحرب على الإرهاب أو الحرب في زمن الإرهاب، هي حرب كونية، يشكل أساسًا مهمًا للتعريف بهذه الحرب، ويشكل كذلك المدخل الصحيح للانتصار على الإرهاب فيها، وأية دولة مهما كبرت وتعاظمت قواها لن تكون بمنأى عن نيران هذه الحرب، سواء من خلال إجراءاتها الأمنية الخاصة بها أو من خلال محدودية انخراطها الفعال في التحالفات الناشئة تحت عنوانها.
إن الاختلاف مع الرئيس أوباما في هذه النقطة بالذات ليس اختلافًا في الوصف ولا في تفسير معنى الحرب العالمية، بل إنه اختلاف في مبدأ المواجهة وكيف ينبغي أن تكون، ولو دققنا في كيفية أداء الولايات المتحدة، وهي القوة الكونية العظمى، لدورها في هذه الحرب منذ أن أطلقت هي ذاتها الطلقات الأولى فيها، وذلك قبل سنوات من الموجة الحالية، لبدا واضحًا كم أخطأت الولايات المتحدة في القرارات والسياسات، وكم كان خطؤها فتّاكًا في حياة بشر ومصير كيانات، وهذا ليس استنتاجًا توصل إليه من يصنفون أنفسهم عادة مناوئين للإمبريالية الأميركية وسياساتها الكونية، بل إنه استنتاج توصل إليه جزء مهم من مكونات الظاهرة الأميركية ولا مغالاة في التقدير أن هذا الاستنتاج توصل إليه، كذلك، كل من سجلوا أنفسهم في قائمة الحلفاء الأساسيين وحتى الثانويين للولايات المتحدة.
إن التبسيط وإن كان يلائم المواقف الخاطئة كتفسير دعائي لها، إلا أنه وحين يكون أساسًا لصنع القرارات، فهو أخطر أنواع التضليل، والقول إن أي دولة مهما كبرت هي بمنأى عن الإرهاب، وإن الإرهاب الذي ينتشر في العالم ويضرب بأذرعه الخفية عواصم ومدنًا في أي زمان ومكان، لا يمكن أن يواجَهَ بصورة فعّالة إلا إذا شعرت واشنطن بأن التفجيرات في باريس وإسطنبول ليست بعيدة عنها بمقاييس الجغرافيا بقدر ما هي من ضواحيها بالمقاييس السياسية والاستراتيجية.
إن سنوات الحرب الأخيرة على الإرهاب أفرزت فيما أفرزت من جديد واقع حمل صفتين لكيان واحد بينهما تناقض، فالدولة الكونية العظمى هي كذلك كما تقدم نفسها، إلا أن في سياساتها قدرًا كبيرًا من تعاملها مع ذاتها ومع الآخرين كدولة عادية، والتناقض هنا يظهر في كيفية ممارسة المسؤولية، فقد نزلت الالتزامات درجات عن السلّم، فباريس هذه الأيام تستحق مجرد التعاطف معها في مصابها الجلل! وإسطنبول تستحق الوساطة مع المختلفين معها، أما الشرق الأوسط الذي باض ذهبًا على مدى طويل في حجر الدولة الكونية العظمى، فيكفي التعاطي مع حربه المدمرة ببطء وحذر ما دام بالمقاييس الجديدة يبتعد آلاف الأميال عن واشنطن.