ليلى البرادعي
TT

إدارة مصر

تمر مصر بمرحلة انتقالية تتسم باضطرابات سياسية وصعوبات اقتصادية كبرى؛ فقد شهدت مصر منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) خمسة تغييرات حكومية، لكن المواطن المصري لا يزال يشكو من الأداء الحكومي بشكل عام. وعقب تنحي الرئيس مبارك اعتقد الكثير من أبناء الشعب المصري أن مشكلاتهم ستحل بين عشية وضحاها. كان سقف التوقعات مرتفعا، وتحول الانتباه إلى تساؤلات جوهرية مثل كتابة الدستور وعودة البرلمان.
في هذه الأثناء، تراجع أداء الكثير من الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأمنية والمواصلات، فاحتلت مصر المركز الأخير في مجال التعليم الابتدائي والمركز 118 بين 148 في التعليم الجامعي والتدريب في تقرير التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي والمركز.
في الوقت ذاته خفض تقرير مؤشر الحكومة العالمية الذي يصدره البنك الدولي فاعلية الحكومة المصرية بصورة واضحة خلال عام 2012 مقارنة بعام 2007 لتسجل تراجعا في ثقة الشعب في الحكومة وتوقعات جودة الخدمات الحكومية.
ما الذي تفعله الدول الأخرى، يجعلها تؤدي بشكل جيد، ويمكن للمصريين أن يتعلموه منهم؟ يأتي على رأس القائمة إدارة النتائج، أو إدارة الأداء، الذي يشكل لب ما يعرف باسم «الإدارة العامة الجديدة»، تلك الفكرة التي استقطبت الاهتمام منذ منتصف الثمانينات، عندما أدركت الحكومات أن سبيل التقدم يتمثل في الابتعاد عن البيروقراطية الصارمة في عمل الإدارة مع التركيز بشكل أكبر على الإجراءات والقواعد والمنظور الداخلي المتطرف بشأن تنفيذ السياسات وسلطة مقتصرة على إنفاق المال. وبدلا من ذلك، كما يقتضي نموذج الإدارة العامة الجديدة، ينبغي على المسؤولين الحكوميين والحكومات أن يخضعوا للمحاسبة على النتائج التي تحققت، وتبني منظور استراتيجي لإدارة شؤونهم وعيونهم دائما على البيئة الخارجية، والتفكير في كيفية الحصول على مصادر إضافية وتقديم مرونة إدارية أوسع نطاقا.
وخلال النقاشات بشأن مسودة الدستور، أخيرا في مصر، أكد مؤيدو الدستور على ضرورة موافقة الشعب على الوثيقة؛ لأن لجنة الصياغة بذلت جهدا كبيرا في صياغته. وبالمثل حدد الدستور الجديد نسبا محددة للإنفاق الحكومي على التعليم والصحة. هذه الخطوات تعكس نوعية التفكير ضد التوجه الحالي للإدارة العامة. لكن ما يهم حقا هو جودة المنتج النهائي - الدستور الفعلي، وجودة التعليم والرعاية الصحية - ونتائج وتأثير القرارات الحكومية، لكن الوقت والجهد والمال الذي قد ينفق على ذلك لا يشكلون أهمية كبيرة.
قصص الأداء في إدارة النجاح كثيرة، ويمكن العثور عليها لا في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ونيوزيلندا - المساهمون الرئيسيون في تطوير وممارسة نموذج الإدارة العامة الجديدة - بل تجلت أخيرا في الهند وكينيا وجنوب أفريقيا، وهذا غيض من فيض. وكانت الولايات المتحدة قد قدمت في بداية التسعينات قانون الأداء والنتائج الحكومية وحققت نتائج إيجابية في تحسين الخدمات والنتائج المستهدفة والإنفاق الحكومي الأكثر خضوعا للمساءلة. وفي عام 2006 طورت بريطانيا برنامج مراجعة القدرة كأداة لتقييم تحقيق الوزارات الحكومية لأهدافها. وفي عام 2006 أقرت كينيا قانون الأداء كأداة إدارية لقياس أداء الوزارات الحكومية المختلفة وفق أهداف الأداء التي جرى التفاوض والاتفاق بشأنها. وفي عام 2008 بدأت حكومة أسكوتلندا تطبيق نظام تقرير الأداء الأسكوتلندي لنقل معلومات الأداء الحكومي إلى الشعب. وفي الهند في عام 2009 جرى تطبيق نظام تقييم ومراقبة الأداء للوزارات الحكومية. وكانت كل الوكالات تحدد أهدافها وأولوياتها كل عام، وتقدم تقارير بإنجازاتها قياسا إلى الأهداف التي جرى وضعها بشكل مسبق. وفي عام 2013 أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، عن تدشين نظام إدارة أداء وطني أطلق عليه اسم «أداء»، بهدف تحقيق تطوير متواصل في جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية الفيدرالية.
لكن إدارة الأداء لا تخلو من المشكلات والانتقادات؛ فقياس أنشطة حكومية تشترك فيها منظمات وكيانات كثيرة يشكل عملا بالغ الصعوبة، فبعض الأنشطة والوظائف مثل عمل وزراء الخارجية، يصعب تقييمه عن غيره. بيد أن هناك وسائل على الدوام للتغلب على هذه العقبات. وحتى الآن، كانت الخطوات الكبيرة التي قامت بها دول كثيرة حول العالم للتركيز على النتائج وإخضاع المديرين والمسؤولين للمحاسبة بناء على النتائج التي جرى تحقيقها، أداة جوهرية في تحقيق تقدم في إدارة الحكومة وتمكين الحكومات من تلبية متطلبات المواطنين وتوقعاتهم.
ونأمل أن نشهد تطبيق نظام إدارة أداء حكومي شامل في الجمهورية المصرية الجديدة.
* بالاتفاق مع «كايرو ريفيو» التي تصدرها كلية الشؤون الدولية والسياسات العامة في الجامعة الأميركية بالقاهرة