محمد بن حسين الدوسري
TT

الأفكار القطبية ودورها في خلق حياة الشباب الانعزالية

«ولكن الأمة الإسلامية تمر اليوم بظروف خاصة، ربما لم تمر بها من قبل، فقد هبطت معرفتها بالإسلام إلى أدنى حد وصلت إليه في تاريخها كله، وأما ممارستها للإسلام فهي أدنى من ذلك بكثير!» محمد قطب – كيف ندعو الناس - ص 5 - دار الشروق ط3 1424هـ.
بمثل هذه المقدمة يبتدئ المفكر المزعوم محمد قطب كتبه ذات التأثير التدميري للنشء المتدين، وإن هذه الحقيقة لم أكتبها جُزافًا أو اعتباطًا بل هي من خلال خبرة نحو ثلاثة عقود من الزمن قد مررنا خلالها بمنعرجات وانكسارات خطرة وكانت جلها فكرية تأسيسية سواءً أكانت معارك مع النفس أم معارك مع الغير لتقرير فكرة تجسدت من خلال الارتواء الفكري ببدايات الكتب الفكرية التي جسدها محمد قطب ثم أخوه سيد قطب صاحب أقوى كتاب من حيث التأثير في الاتجاه للتكفير والانعزال عن المجتمعات ومنابذتها وتشرب الأفكار الجهادية القتالية وتجسيد جاهلية المجتمع وأفراده، فهذه حكاية حقيقية لشاب وأول ما عرفه من الكتب هي كتب لمحمد قطب «هل نحن مسلمون» و«من قبسات من وحي الرسول» كانا هدية من مدير ومدرس في الثانوية التي تخرج منها، فهذا شاب لم يتجاوز العشرين بعدُ، ولما يحمل في طيات عقله إلا شكل الإسلام المتمثل في الصلاة والإحجام عن المحرمات الظاهرة، ثم يتم إيغاله في فكرٍ خطيرٍ سوف يكون عالقًا لسنين طويلة، وسوف يصبح المتكأ والأساس لما سوف يدور من أفكار في العقل الجمعي لهذا الشاب الغر، فعندما يجد هذا الشاب نفسه أمام عبارات أن الإسلام هبطت معرفته لدى المسلمين لأدنى حد وصلت إليه في تاريخهم وأن ممارسة المسلمين للإسلام أدنى من ذلك بكثير، وأن هناك معركة حقيقية يدخل في طياتها هذا الشاب وهي معركة للتقاليد ومعركة وحرب ضد ما يُسمى بالصحوة –يشير محمد قطب كثيرا لذلك ويصرح باسم الصحوة، ويقصد بها صحوة الناس للإسلام، هو مصطلح خطير جدًا يحمل في طياته منعرجات التكفير وأساس فكرته وذلك بتبني الانقسام المجتمعي إلى صحوي وغير صحوي– فيصبح هذا الشاب الذي تم غرس بذرة خطيرة في عقله الجمعي وهي أن المجتمعات ليست على طريق الإسلام الصحيح وأن الناس يجهلون كثيرًا من الدين وأن مظاهر للجاهلية أضحت متركزة في أفعال وتصرفات المجتمع، وأن هناك حقائق مخفية عن حقيقة المجتمع الذي يعيش الناس فيه، فإن تلك الأفكار تبقى راسخة ومرتكزة في عمق فكر ذلك الشاب، وخصوصا أنها تتغذى بالطهورية الإيمانية التي وجد نفسه عندها وفيها في لحظات تغيير في مسار حياته كانت تُفسر بأنها لحظات إيمانية ينخلع فيها ذلك الشاب من الحالة الجاهلية التي كان يعيش فيها طفولته ومراهقته، وهي سنوات دراسية يتعلم فيها الشاب آنذاك قبل ما يحدث من تقنيات من ثقافة التلفزيون وما يرسخ لديه من عادات وثقافة داخل أسرته، فتلك الحالة الطهورية الإيمانية لذلك الشاب تبتدئ فكرها الجديد وترسم خطوطه تلك الأفكار الأولية التي تلقاها ممن يقود المجتمع ممن يحملون أفكارًا لمحمد قطب وأخيه سيد، وهم كانوا متغلغلين في المدارس، وهم يزعمون أنهم لا يحملون فكرًا متطرفًا تكفيريًا، والحقيقة أنهم بخلاف ذلك بل هم يزرعون البذرة الأولية لفكر الجهاد والانعزال والتكفير والجهاد، وذلك بتلك الطريقة المنحرفة بأن يتلقى الشاب أفكاره من كتب محمد قطب أو سيد قطب، وذلك أن هذه الكتب تحمل في طياتها فكرًا خطيرًا ولا تصلح لأن تكون بيد هذا الشاب الغر صاحب الطهورية الإيمانية، لأن هذا الشاب أصبح من شباب الصحوة الحانقين على المجتمع، وأن من أسباب حنق أصحاب الصحوة على المجتمعات، وخصوصا المجتمع السعودي، تأثير كتب محمد قطب مثل كتاب معركة التقاليد –وهو كتاب صغير بيد أنه مليء بالحقد وفيه استنهاض الكراهية في نفوس قارئيه، وكذلك كتاب كيف ندعو الناس- فعندما يقرأ الشاب أن المجتمعات الإسلامية هبطت إلى أدنى حد في معرفتها للإسلام وأن المسلمين في ممارساتهم للإسلام أدنى من ذلك، وغيره من كتب محمد قطب، فإن قراءة ذلك الشاب لتلك الكتب كانت حقًا أساسًا لتأسيس الانخراط في فكر التكفير والجهاد، وهذه حقيقة لا يعرفها إلا من عاشها يوما بيوم ولحظة بلحظة فلن توجد هذه الحقيقة التي أحسها هذا الشاب إلا لمن كان منخرطًا في تلك اللحظات وتنفسها وفهمها وعلقت في ذهنه وأصبحت تاريخًا يؤرقه كل يوم، ولكي يتم التصحيح في المجتمعات، وخصوصًا المجتمع السعودي ومسار فكره، فإن الأمر يحتاج إلى اجتثاث تلك الحقبة التي جثت عليها الصحوة مع تصحيح للفكر أجمع وعلاقته بالمرجعية النصية وخلق مساحة من الحرية الفكرية للمرجعية الوضعية وتكريس العقل كمصدر حقيقي من مصادر المعرفة الإنسانية وذلك كي تكون هناك مساحة لفكر الشباب أن يستنشق حرية الاختلاف المترسخة في مصدر المعرفة الوضعي، وليضع حدًا للنصية المنغلقة على ذاتها ونفسها.