بشكل عام، يواجه العالم الكثير من العقبات ويصعب التغلب عليها أمام اليمين المتطرف الذي يعدّ مصطلحاً سياسياً يطلق على التيارات والأحزاب السياسية ضمن محيطها السياسي، ولا مجال هنا للدخول في نقاش حول تحليل تاريخي أو شرح مفصل، بخاصة في ما يتعلق بكيفية هذه التيارات، وبداية ثنائيةُ «اليمين واليسار» المصطلحَين الأساسيين في فرنسا في القرن الثامن عشر وأضف إليهما التاريخ الاستعماري والعنصري، والعوائق التي تعترض العالم كلُّه، لا سيَّما أوروبا التي كانت تراقب الثورة الفرنسية عن قرب، وتتتبَّع مُستجدَّاتها على الأرض، فمهما تكن الطريقة التي تستخدمها الدساتير في إخفاء الصفات الفردية، تظهر مصطلحاتٌ «اليمين» و«اليسار» على أنها مفاهيمُ سياسية انتشرت في أرجاء العالم.
لا نريد هنا تمجيداً رومنطيقياً للظروف الاستثنائية التي وقعت مؤخراً في باريس، لكن الجدير بالقول أن معظم الكتابات السياسية تعايش الأفكار والآيديولوجيات التي تسود العصر، والتناقضات المتعددة، ففي فرنسا يمثل هذا الحزب الجبهة الوطنية ذات الاتجاه المعادي للمهاجرين الذين يعانون فيه عدم المساواة العرقية والاجتماعية، وتفاقم ذلك خلال الأعوام الأخيرة بسبب صعود الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة.
كثيراً ما تعلمنا التجارب أن التغيير المفاجئ للقرارات، والاختيارات اللامتوقعة، أو تقلبات الرأي أو انتفاضة الإدارة البشرية إنما هي مواقف تضع العالم في حالة ارتباك، تنعكس سلباً على الأقليات الذين يعامَلون بشكل غير عادل من قِبل الشرطة والمجتمع؛ وهذا ما أجج الثورة الأخيرة بعد مقتل الفتى الجزائري نايل، ومن عادات المتطرف اليميني معاقبة كل من لا يدعم الثقافة العامة الفرنسية، وقد شكّل الحزب بقيادة جان ماري لوبان في الانتخابات الفرنسية مع الرئيس السابق جاك شيراك، الذي ترأسته خلفاً لوالدها مؤسس الحزب ضجة إعلامية كبيرة على مستوى فرنسا وأوروبا؛ لأنها تقود لواء حزبها وكل المنظمات «مثال النازيين الجدد» الداعية إلى عداء الأجانب والمتحدرين من الثقافات الإسلامية والشرق أوسطية.
فليس هناك اختلاف بين اليمين المتطرف في فرنسا أو السويد المهيمن على الانتخابات السويدية، وكثير من الدول الغربية وبخاصة بعدما أدلى الناخبون بأصواتهم في الانتخابات، حيث صعد اليمين المتطرف والتيارات المناهضة للهجرة، وحقق الحزب المتطرف مكاسب كبيرة في الانتخابات السويدية الأخيرة، حيث يرجح أن يصبح ثاني أكبر حزب سياسي في البلاد بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي، كما أنه يعدّ الآن أكبر الأحزاب اليمينية، وانتخب أولف كريسترسون اليميني المتطرف رئيساً للوزراء، واليمين المتطرف ليس حكراً على السويد، بل مثّل اتجاهاً عبر أنحاء أوروبا في الأعوام القليلة الماضية.
ويبقى هذا التقسيم (اليمين واليسار) تراثاً خاصّاً بالثورة الفرنسية، أو من تراث المـَجْمَع الدستوري الفرنسي، ويأخذ أشكالاً أخرى حسب الأزمنة، والنتيجة تكون تداخلاً في أي فعل سياسي أي دعم أو هدم لأركانه المتنوعة؛ فهذه الأحداث تحرك الحشود المتعصبة وتغير الوفاق الاجتماعي وله اعتبارات تقود إلى مجموعة من المشكلات المعقدة، فلربما من الممكن أن يتزايد الشعور بالإحباط والغضب والخوف عندما ارتفعت مستويات التأييد التي حظيت بها أحزاب أقصى اليمين وما تروّجه له من أفكار شعوبية متشددة، ويعدّ تصعيداً للموقف وهو أمر حديث العهد.
إذا لم تتمكن الجماعة السياسية من السيطرة على هذه القوى العصية، ستجد نفسها في حالة ضعف وتهالك تهددها، ومنظمة الأمم المتحدة نبهّت فرنسا بمعالجة مشكلات العنصرية، وهو أمر سارعت باريس إلى رفضه؛ فالمجتمع الدولي مطالب بإدانة جميع أنواع الإرهاب، والقضاء على كل الدوافع والمحركات الرئيسية التي أسهمت في إنتاج كل التصورات الضاربة في التطرف والانغلاق.
يبدو أنه لا حل لهذه المسألة، إذا كان هناك تسلسل سببي يستمد وجوده من تراكم عناصره الرابضة في قلب التاريخ والظواهر الخاصة به، وهمّه يتركز في البحث عن آليات وحجج يستطيع بها تعزيز قناعات المؤيدين له وإضفاء الشرعية على أي نوع من أنواع العنصرية حسب دساتيرها، من هنا تتغير المطالب في جوهرها وتزداد تناقضاتها، إذا أصبح العنف وجهة نظر تكتيكية واستراتيجية عند الثوريين والرجعيين من اليمين واليسار على السواء، وأصبحت الحياة اليومية تسير تحت حراسة مشددة لفض الشغب في المدن والضواحي الفرنسية.
سنكتفي بهذا المظهر لهذه المعضلة التاريخية من دون أن نذهب بعيداً إلى أعماق ذلك التاريخ، فحين يصطدم البشر في ما بينهم يقعون في الأخطاء وتتزايد الاضطرابات غير المتوقعة، وتؤدي هذه الأخطاء إلى عواقب وخيمة؛ إذ لا يمكن أن يكون التغيير واسع النطاق ولن ينجح، فذلك ليس لاختلاف غاياتهم أو اتفاق رؤاهم، بل هي قواعد اللعبة السياسية التي تبحث عن مكاسب في الصراع، وليست هذه المرة الأولى التي تثير فيها قضية العنصرية جدلاً واسع النطاق في فرنسا.