د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

لماذا نتبجَّحُ بتكلفة الزواج ونصمت عن تكلفة الطلاق؟

استمع إلى المقالة

يقترن عادة الزواج بالفرح، الشيء الذي يجعل المقبلين على حدث الزواج ينفقون في غالب الأحيان حتى أكثر من إمكانياتهم، ويلجأ البعض للاقتراض، وحجته في ذلك أن الزواج هو فرحة العمر، التي لا تتكرر وتستحق أن تكون في جو بهيج أكثر ما يمكن.

من المهم أن نلاحظ أن الفرح في مراسم الزواج يصبح عينياً وملموساً، لأنه يُعبر عنه بطريقة مادية محسوسة، ويمكن أن نعرف حتى فاتورته مالياً.

وبطبيعة الحال، فإن الأمر لا يتوقف عند الاستعداد الأفضل لحدث الزواج ونشره بين الأهل والأصدقاء، بل إن العرس يمثل مناسبة للتسابق والتفاخر الاجتماعيين. ولم يعد التفاخر والتسابق حكراً على الطبقة الغنية، بل انتقلت العدوى إلى «المتوسطة» وحتى «الفقيرة»، ويقاومون شراسة المسابقة وشروطها بالتداين وبتقديم «الثانوي» على «المهم»، وغير ذلك من الحلول، التي ينتج عنها بعد أشهر مشكلات تجعل من الزواج قصير الأمد.

ورغم كل شيء، فإن الحديث عن التكلفة كثيراً ما يقترن عند المتزوجين والنّاس عموماً بالزواج ومصاريفه المشطة، والجدل حول ما هو ضروري وما هو غير ضروري. وهو حديث هناك من يقوله متفاخراً، وآخر واصفاً بموضوعية، وآخر معبراً عن سخطه عن الغلاء الذي جعل من الزواج مسألة صعبة.

لنقل إنّ كل هذا طبيعي ومفهوم ومبرر ومقبول... ولكن هل يتحدث النّاس في مقابل حديثهم عن التكلفة المالية المادية للزواج عن التكلفة الباهظة للطلاق؟

في الحقيقة، هنا يكمن المشكل الكبير. و لو كان هناك حوار مجتمعي يتناول تكلفة الطلاق الباهظة بالمعنى النفسي على الزوجين وعلى الأطفال في صورة وجودهم، لرأينا تغيراً في سلوك المقبلين على الزواج، خاصة من ناحية الوعي بأن الزواج مؤسسة بكل ما يعنيه ذلك من مسؤولية ومن تقاسم للأدوار ومن موارد اقتصادية ومن قيم، من دونها يتحول الزواج إلى مشكلة وخيبة.

أظن أن الحديث عن تكلفة الطلاق من منظور متعدد الأبعاد أمر على غاية من الأهمية، باعتبار أن يستبطن رفع الوعي عند الشباب والمقبلين على الزواج، كي يدركوا أن الزواج حدث لا يجوز التهور أو التسرع فيه، لأن تداعيات فشله تطبع حياة الفرد. وإلى جانب التوعية، فإنه لا شيء يبرر أن تظل تكلفة الطلاق من المواضيع المسكوت عنها، والحال أنها تكلفة ثقيلة من منطلق أن الفشل في الارتباط وما ينتج عنه من دمار وجروح وطفل لا ذنب له في التجاذبات، ثقيل على المرأة وحتى على الرجل تحمله.

طبعاً الطلاق أحياناً يكون أفضل من استمرار الزواج. بل إنه يمكن حتى القول إن ارتفاع نسب الطلاق هي إلى جانب كل ما تعنيه، فهي تعني أيضاً تزايد ثقافة الفردانية في المجتمع وتراجع ثقافة الخضوع لسلطة مؤسسة الزواج والعائلة.

ولكن بشكل عام نعتقد أن تناول الطلاق، خاصة وأن الأرقام في كل البلدان العربية في ارتفاع ملحوظ من شأنه أن يخلق نقاشاً مجتمعياً مهماً، من خلاله نفهم الظاهرة وأسبابها ومحدداتها، حيث إن الغالب في التعامل مع ظاهرة الطلاق، التي أصبحنا نتحدث عن كم حالة طلاق في الساعة، الغالب أن الأمر عادي وحرية شخصية، وأن شباب اليوم يفتقد في غالبيته الشعور بالمسؤولية، وشابات اليوم تفتقدن روح العطاء والتضحية.

إنّ الاتكاء على هذه التفسيرات الانطباعية هو تكريس للجهل بالظواهر ومحدداتها، ولن يأخذنا إلى حيث الضوء والمعرفة المبنية على الحقائق المدعمة بالأرقام والإحصائيات. لذلك، فإننا نحتاج إلى حديث عالي الصوت حول الظاهرة، ونحتاج إلى دراسات نتحدث عنها ونروج لمخرجاتها ونتائجها حول أسباب الطلاق في مجتمعاتنا. دراسات تجيب عن سؤال: لماذا يتكاثر الطلاق في مجتمعات ذات نسق ثقافي ديني يصف الطلاق بأبغض الحلال؟ بمعنى آخر فإن ما نلاحظه من تزايد كبير للطلاق ليس عادياً، ويحتاج إلى تحديد عاجل للأسباب حتى نعرف هل أن الطلاق هو نتاج عدم تناغم واختلاف في طريقة التفكير والنظرة إلى الأشياء، أو أن الحقيقة الغالبة بعيدة عن كل هذه التبريرات وتأخذنا إلى تفسيرات ذات صلة بالمسألة الاقتصادية وتراجع قدرة الثنائي المتزوج اليوم على رفع الاستحقاق الاقتصادي لمؤسسة الزواج.

فمثلما نتحدث عن مؤسسات صغرى ومتوسطة انهارت وأفلست بسبب جائحة «كوفيد - 19» وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فإن هناك مؤسسات زواج بالآلاف كان مصيرها الطلاق بسبب الفشل في التصدي لارتفاع الأسعار وتسديد القروض.

إنّ الكلام عن الطلاق مفيد لعقلنة الوعي بخطوة الزواج وشروطها.