د. خالد منزلاوي
الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية بجامعة الدول العربية
TT

توحيد الرؤية في القمة العربية بجدة ضرورة وليس خياراً

استمع إلى المقالة

في ظلّ ظروف معقدة بالغة التعقيد تمرُّ بها المنطقة العربية، تزداد التحديات والمخاطر التي تواجهها، وهو أمر يضع الدولَ العربية أمام مسؤوليةٍ تاريخية، تنعقد القمة العربية في جدة، باستضافة من المملكة العربية السعودية من أجل بناءِ موقفٍ عربي فاعل وموحّد للتعامل مع هذه التحديات والمخاطر، بما يصون أمن العالم العربي ومصالحه، وللتصدي لمحاولات التدخل في شؤونه، ولتعزيز حق الشعوب العربية في الأمن والسلام والاستقرار والتنمية، والسبيل لتحقيق ذلك دبلوماسية القمة.

ولا بد من تأكيد أن دبلوماسية القمة هي المقاربة المفضلة في تناول القضايا المهمة في اجتماع بحضور القيادات صانعة القرار السياسي في المسائل الطارئة، وسط متغيرات إقليمية ودولية بالغة الأهمية تفرض نفسها على أجندة ومناقشات وقرارات القمة التي سوف يميزها صدور مخرجات في صور بيانات وقرارات وتوصيات، تتضمَّن أفكاراً عملية وصيغاً تنفيذية وآليات متابعة.

وتاريخياً يمكن أن نستذكر أنَّ القمم العربية تولَّد عنها كثير من الإيجابيات فيما يتعلَّق بمختلف أنشطة العمل العربي المشترك وصوره، سواء تسويات أو احتواء خلافات بشكل استباقي أو وقائي، أو في بلورة سياسات وخطط ومواقف عملية وفاعلة تجاه كثير من المشاكل الداخلية والتحديات الإقليمية والأزمات الدولية في مراحل مختلفة.

يواجه العالم العربي اليوم حروباً وصراعات مباشرة وغير مباشرة، متعددة الأشكال والأوجه والصور، مترابطة ومتداخلة بشكل بالغ التعقيد، وأصبح الوطن العربي محاطاً بالمخاطر بدرجات متفاوتة، ما جعل بعضَ أوطانِه ساحاتٍ جيوسياسيةً لتغيير موازين القوى الإقليمية والدولية من قبل قوى إقليمية ودولية شغلت الفراغ الموجد نتيجة خلافات ونزاعات وانقسامات في بعض الدول.

فالتوتر المزداد والمتصاعد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع انسداد أي أفقٍ حقيقي أو واقعي لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم، مع ازدياد الاعتداءات المستمرة على الأماكن المقدسة والتداعيات المختلفة لأزمات: سوريا بعد عودتها للجامعة العربية، واليمن بعد جهود تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار، وليبيا وضرورة تنظيم انتخابات شاملة فيها، والسودان مع توقيع الجيش وقوات الدعم السريع اتفاقَ مبادئ أولياً لحل الأزمة، للوصول إلى حلول سياسية شاملة ومستدامة لإنهاء الصراعات المستمرة، وتحقيق الاستقرار والنظام... كلها قضايا حيوية لتحقيق الأمن القومي العربي، ومن جهة أخرى الحرب في أوكرانيا والأزمة الاقتصادية العالمية، كل ذلك يحمل انعكاساتٍ متعددةً على مختلف أوجه الحياة في العالم العربي، من السياسة إلى الاقتصاد.

هذه الانعكاسات تؤثر على المنطقة العربية ودولها بدرجات مختلفة، وقد يتولَّد عنها عددٌ من الصعاب سواء في الانفراج وما يتبعه من الحاجة إلى إعادة بناء أو تعقيد، وما يترتب عليه من مواجهات، وكل ذلك يستدعي بلورة استراتيجية عربية للتعامل معها بشكل أكثر فاعلية بطريقة واقعية لتوحيد الرؤية العربية كضرورة وليس خياراً، لتتخطَّى تداعيات الأزمات، لصالح استقرار الأمة العربية وازدهار شعوبها.

ولا بد من التأكيد أنَّه ستكون هناك حاجةٌ ماسةٌ للتوافق والتضامن بصورة جماعية، من أجل بلورة مواقفَ ثابتة ومقاربات مشتركة للتغلب على التحديات التي تؤثر على الأمن والاستقرار الإقليميين، آخذاً في الاعتبار أن أبعادها ستلقي بثقلها وتكلفتها ليس فقط على الدول المتأثرة بالصراعات والخلافات في المنطقة العربية فحسب، بل على العالم في هذه المرحلة بالغة الخطورة من تاريخ العالم، التي تشهد إعادةَ رسمِ خرائط العلاقات الدولية. ومن جهة أخرى، سيحقق التوافق العربي موقفاً عربياً واحداً يعطي ثقلاً للعمل العربي، ويجعل القرارَ العربيَّ مسموعاً؛ ليس فقط على الصعيد الإقليمي، بل سيتخطَّى ذلك إلى النطاق العالمي.

والتوافق الممكن تحركه المصالح وفقاً للمعطيات الجديدة، وهي بطبيعتها متغيرة وقادرة على قلب خريطة العلاقات الدولية، وإعادة تشكيلها بما يتوافق مع تلك المعطيات ستجعل من القمة العربية في جدة، انعطافاً في مسيرة العمل العربي المشترك، لدرء المخاطر بصياغة مواقف مشتركة تسمح ببلورة سياسات أكثر فاعلية ومقاربات لسد الفجوات تجاه التحديات المختلفة والمخاطر المشتركة في المنطقة بما يخدم أمن واستقرار دولها. وسيكون للدبلوماسية السعودية كدولة مستضيفة للقمة العربية خلال دورها المحوري إقليمياً ودولياً، على ما تمتلكه من ثقلٍ سياسي وشراكات متينة وموثوقية دولية، دور مهم في التعامل مع الأزمات العربية والعمل لتحضير الأرضية اللازمة للتحاور من أجل طرح الحلول المناسبة التي ترضي جميع الأطراف للحفاظ على نظام إقليمي:

- يضمن تحقيق التنمية والازدهار لجميع شعوب المنطقة.

- يخفف حدة التوترات والصراعات القائمة، بما يسمح بالتركيز، بصورة أكبر، على مسيرة البناء والتطوير وتحقيق المنفعة المتبادلة والتنمية المستدامة التي تنشدها شعوب المنطقة.

* الأمين العام المساعد للشؤون السياسية الدولية

بجامعة الدول العربية