د. محمد علي السقاف
كاتب يمنى خريج جامعتَي «إكس إن بروفانس» و«باريس» في القانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية حاصل على دكتوراه الدولة في القانون عن منظمة «الأوابك» العربية من السوربون ماجستير في القانون العام ماجستير في العلوم السياسية من جامعتي باريس 1-2. له دراسات عدة في الدوريات الأجنبية والعربية والعلاقات العربية - الأوروبية، ومقالات نشرت في صحف عربية وأجنبية مثل «اللوموند» الفرنسية. شارك بأوراق عمل في مراكز أبحاث أميركية وأوروبية عدة حول اليمن والقضايا العربية. كاتب مقال في صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

روسيا والغرب والصراع في مجلس الأمن

حين جاء الدور المعتاد لترأس روسيا جلسات مجلس الأمن الدولي في 3 أبريل (نيسان) الماضي واختيارها عنوان نقاش وتداولات جلسات المجلس «من أجل تعددية فعالة للدفاع عن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة»، أثار ذلك حفيظة، إن لم نقل ردود فعل حادة، لدى بقية الأعضاء الدائمين الغربيين (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة) في مجلس الأمن؛ فقد قال سفير الاتحاد الأوروبي أولوف سكوغ: «من خلال تنظيم هذا النقاش تحاول روسيا تقديم نفسها على أنها مدافعة عن ميثاق الأمم المتحدة وعن تعددية الأطراف... إنه أمر مثير للسخرية».
وقد ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمام وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، الذي ترأس جلسة المجلس، بأن «الغزو الروسي لأوكرانيا الذي ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، يتسبب في معاناة هائلة وبدمار للبلد ولسكانه، تُضاف إلى الاضطرابات الاقتصادية العالمية التي تسببت بها جائحة (كوفيد – 19)»، وأضاف: «يتعرض النظام متعدد الأطراف لتوتر أكبر من أي وقت مضى منذ إنشاء الأمم المتحدة»، مشدداً على «التوترات التي بلغت أعلى مستوى بين القوى العظمى».
كانت روسيا قد أرسلت إلى الدول الأعضاء مذكرةً بشأن اجتماع جلسة المجلس نددت فيها بـ«النظام العالمي أحادي القطب الذي ترسخ» بعد انتهاء الحرب الباردة والذي «يهدد فاعلية واستقرار منظومة الأمم المتحدة»، مضيفة: «اليوم هناك تحول منهجي آخر: النظام العالمي أحادي القطب يصل بشكل طبيعي إلى حدوده ويتراجع بسرعة، بينما يظهر نظام جديد متعدد الأقطاب».
ألقت الأزمة الأوكرانية بظلالها على ترؤس روسيا جلسة مجلس الأمن الذي حان دورها لرئاسته، وأُثيرت بهذه المناسبة عدة قضايا قديمة وجديدة من ناحية الحاجة إلى إرساء نظام دولي جديد متعدد الأقطاب لا يقوم على أساس القطب الواحد، وتوسيع وإعادة تشكيل مجلس الأمن، واستخدام الأعضاء الدائمين بشكل مفرط حق النقض (فيتو)، وكيفية معالجة هذا الوضع، ومدى إمكانية تولي الجمعية العامة تناول القضايا الملحّة التي يصعب اتخاذ قرار بشأنها بسبب استخدام الفيتو في مجلس الأمن، وتبايُن، إن لم نقل تعارُض، تفسير بعض أطراف مجلس الأمن لميثاق الأمم المتحدة وقواعد ومبادئ القانون الدولي بما يخدم مصالحه الآنيّة... كما هو واضح أُثيرت عدة مواضيع متشعبة في آن واحد بخصوص ترؤس روسيا جلسة مجلس الأمن، وفيها تجلّى بوضوح وجود معسكرين في نطاق الدول دائمة العضوية: المعسكر الغربي، والمعسكر الروسي - الصيني.
الموضوع الرئيسي الذي أُثير في تلك الجلسة يتعلق بالتعددية القطبية، حيث عقد مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين 24 أبريل الماضي، جلسة نقاش مفتوحة حول فاعلية تعددية الأطراف من خلال الدفاع عن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، برئاسة لافروف. وتزامنت الجلسة مع اليوم العالمي لتعددية الأطراف والدبلوماسية من أجل السلام. وقال أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش، خلال كلمته أمام المجلس: «إننا نواجه أزمات غير مسبوقة ومتشابكة؛ وصلت التوترات بين القوى الكبرى إلى مستوى تاريخي، وكذلك مخاطر اندلاع الصراع... أعضاء مجلس الأمن، لا سيما الأعضاء الدائمين، يتحملون مسؤولية إنجاح التعددية بدلاً من المساهمة في تفكيكها»... مؤكداً أن «التعاون متعدد الأطراف هو القلب النابض للأمم المتحدة وسبب وجودها والرؤية التي تسترشد بها». وفي بداية الاجتماع، أشار وزير خارجية روسيا إلى أن بعض أصحاب المصلحة «يقومون بمحاولات للحفاظ على النظام العالمي أحادي القطب من خلال فرض مبدأ (القوة تصنع الحق)»، مشدداً على أنه يجب التخلي عن المعايير المزدوجة، مؤكداً أن تعزيز القواعد الغربية على الساحة الدولية يخنق التعددية، وأن مفتاح النجاح هو تضافر الجهود. واتهم لافروف، وفق نشرة الأمم المتحدة، الولايات المتحدة بانتهاك ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك «مسؤوليتها عن القصف الذريّ في اليابان عام 1945، وتدخلها في العراق الذي أطلق العنان للإرهاب عبر المنطقة وخارجها».
بدورها، قالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وفق ما ذكرته النشرة الأممية، إن «الغزو الروسي طال أوكرانيا اليوم، لكن يمكن أن تتعرض له دولة أخرى فيما بعد»، مؤكدةً أن محاولة موسكو إعادة رسم الحدود الدولية تنتهك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأن الصراع في أوكرانيا يتعارض مع المبادئ المتفق عليها، حيث يستعد العالم لما وصفتها بالفظائع وجرائم الحرب التالية.
وصرح مندوب الصين، من جانبه، بأن «العالم له نظام واحد فقط»، حيث يعد ميثاق الأمم المتحدة حجرَ الزاوية. وقال إن حماية مبادئ ميثاق الأمم المتحدة تتطلب أفعالاً تتطابق مع الأقوال بشكل ثابت وشامل.
وعلى ضوء ما ذكره السفير الصيني عن مدى تطابق الأفعال مع الأقوال للقوتين العظميين... في 17 مارس (آذار) الماضي أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدعوى ارتكابه جريمة حرب تتعلق بدوره المفترض والمباشر في الترحيل غير القانوني لآلاف الأطفال من الأراضي الأوكرانية التي تحتلها القوات الروسية إلى الداخل الروسي. واللافت هنا في هذه الحالة أنها المرة الأولى التي تقوم فيها المحكمة بتوجيه مذكرة إيقاف إلى رئيس دولة نووية وفي ظروف حرب مستمرة بين بلاده وأوكرانيا. وروسيا مثل الولايات المتحدة وإسرائيل من الدول البارزة التي لم تعترف أصلاً بالاختصاص القضائي للمحكمة ولم توقِّع على اتفاقية روما المنشئة للمحكمة. لهذا رأى مندوب روسيا في الأمم المتحدة أن المحكمة منحازة ومسيّسة... لكونها دُمية في يد الغرب. والمثير للسخرية، حسب تصريحه، أن مذكرة التوقيف أُعلنت عشية الذكرى العشرين للغزو الأميركي غير القانوني للعراق، وكان للمحكمة الجنائية الدولية الاختصاص القضائي، لكنها لم تفعل شيئاً لتقديم الجناة المسؤولين للعدالة.
وحول الموقف الأميركي من المحكمة الجنائية في عهد الرئيس ترمب، فقد اتهم مايك بومبيو المحكمة بـ«محاولات غير مشروعة لإخضاع الأميركيين لولايتها القضائية»، وأعلن عن فرض عقوبات على المدعية العامة السابقة فاتو بن سودا، ومدير الاختصاص والتعاون بمكتب المدعية، وفقاً لأمر تنفيذ أصدره الرئيس في أوائل يونيو (حزيران) 2020، بشأن «حظر ممتلكات بعض الأشخاص المرتبطين بالمحكمة الجنائية الدولية». واقتصر رد فعل الأمين العام على ذلك القرار بالقول إنه أخذ علماً «بقلق» بذلك القرار!
وهنا، كما سنرى ذلك لاحقاً، ضامنو النظام الدولي هم أول من ينتهكونه!
وللحديث بقية.