سوف يمثل طريق جو بايدن نحو إعادة الترشيح من جانب الحزب الديمقراطي، وهي رحلة من المرجح أن تبدأ رسمياً في وقت ما خلال الأسبوع المقبل، انتصاراً لاحتمال يبدو غير معقول على احتمال آخر غير معقول.
منذ بداية فترة بايدن الرئاسية، بدأت كل محادثة جادة عن إعادة انتخابه بتصور يقترب من المستحيل لرجل متقدم في السن كثيراً بالنسبة إلى منصب الرئاسة، يضع نفسه في خضم صعوبات حملة رئاسية أخرى، ويروّج لنفسه كيدٍ قوية، في وقت يعلم فيه الجميع، بمن فيهم المصوّتون لائتلافه، باهتزازه وعدم ثبات وضعه.
مع ذلك، تصطدم تلك الاستحالة باستحالة اكتشاف كيف يمكن إبعاد بايدن بسلاسة، أو التوصل إلى كيفية حثّ أي ديمقراطي طموح على منافسته.
لا تزال القوى المحركة، التي جعلت بايدن هو المرشح في المقام الأول، وهي توجهه المعتدل وتموضعه نحو اتجاه اليسار بدرجة كافية، تحميه من معارضة موحدة على أي من الجانبين. كذلك لقد تم دمج المنافسين الأصغر سناً، ممن تصدوا لمنافسته عام 2020، وهما بيت بوتجيج وكامالا هاريس، داخل إدارته، وإن لم تلمع أسماؤهما بها كثيراً. على الجانب الآخر، يستعد الجيل الصاعد من حكّام الولايات الديمقراطيين، وهم غافن نيوسوم وجاريد بوليس وغريتشين ويتمر وجوش شابيرو، لدخول الساحة السياسية خلال فترة ما بعد بايدن، فهم لن يتصدّروا المشهد إلا إذا تنحى بايدن عنه.
كذلك تفادى بايدن أنواع المراهنات والهزائم، التي ربما تجعل دائرة كبيرة مستعدة للتمرد والثورة؛ حيث تقلّصت خطة «بيلد باك بيتر» لتصبح قانون الحد من التضخم، لكن في النهاية تم إقرارها، وكان تدخّلنا في أوكرانيا مرضياً للصقور الليبراليين، حريصاً في الوقت ذاته على عدم الانسياق وراء صراع مباشر مع روسيا، ربما يؤدي إلى جعل الحرب المضادة مثيرة ومحركة لاتجاه اليسار. لقد استفاد بايدن أيضاً من الطريقة التي أنتج بها الاستقطاب ومعاداة الترمبية ليبرالية موحدة بدرجة أكبر، مدعماً بروح الثقة في المؤسسة التي تجعل فكرة التحدي الأساسي لا تبدو خطيرة فحسب، بل مخزية أيضاً.
لا يلغي أي من هذا صعوبة تصور حملته الانتخابية لـ4 سنوات أخرى، لكن الأكثر صعوبة هو رؤية إمكانية تنظيم قوة جادة وجديرة بالاحترام داخل الحزب الديمقراطي قادرة على منع حدوث ذلك. مع ذلك، وكما علّمتنا حقبة ترمب، ليست القوى الجادة والجديرة بالاحترام هي القوى الوحيدة في السياسة الأميركية، فلسوء السمعة قدرة وقوة أيضاً. لا توجد فرصة واضحة في الوقت الحالي أمام منافس قوي مثل نيوسوم ليحلّ محل بايدن كمرشح ديمقراطي، لكن مع تراجع أرقام الرئيس بشكل مستمر، ووجود أكثرية واضحة من الديمقراطيين الذين يفضلون عدم ترشح الرئيس لفترة رئاسية أخرى، وفي ظل صراع بايدن في الاستطلاعات الخاصة بولاية نيو هامبشاير؛ حيث جاء بعد بوتجيج خلال استطلاع رأي تم إجراؤه في يناير (كانون الثاني)، في حين جاء في المقدمة في استطلاع رأي تم إجراؤه مؤخراً، لكن بنسبة 34 في المائة فقط، هناك فرصة أمام شخص، ليس لديه الكثير ليخسره لمحاولة خوض اللعبة نفسها، التي خاضها يوجين مكارثي عام 1968، أو بات بوكانان عام 1992، أو بيرني ساندرز عام 2016. وهي تقديم أنفسهم كمرشحين ممثلين للاحتجاج، والتعبير عن مظالم وشكاوى مخفية أو اكتشاف ماهية تلك المظالم من خلال حملاتهم الانتخابية.
الشخصية القوية الوحيدة المتقدمة للاضطلاع بهذا الدور حالياً هي روبرت كينيدي جونيور، الناشط البارز المناهض للقاحات الذي دشّن حملته الانتخابية في بوسطن مطلع الأسبوع الحالي، فهو يمثل حالة اختبارية مثيرة للاهتمام، لأنه في الوقت الذي يقف فيه خارج التيار الليبرالي السائد الحالي، يثير اسمه نوعاً مميزاً من الحنين إلى الديمقراطية القديمة، يعوّل عليه، ويؤكد توجهه المناهض للشركات التجارية الكبرى ميلاً واتجاهاً، كان من المعتاد أن يكون قوياً إلى جبهة اليسار، قبل امتصاص الترمبية لكثير من طاقة رهاب الاضطهاد والتوجه الداعم لنظرية المؤامرة.
يجعل ذلك من الممكن تصوره، وهو يكتشف دائرة حقيقية من الديمقراطيين غير الراضين تماماً عن الاستمرار في الوجود ضمن الائتلاف الذي يحدد قيمة الخبرة الرسمية، ويمزج آراء شمولية عن الطب بشكوك تجاه الرواية السائدة عن اغتيال كينيدي على سبيل المثال. في الوقت نفسه، تجعل سمعة روبرت كينيدي كمؤيد للتوجه الداعم لنظرية المؤامرة منه أداة غير فاعلة كثيراً بالنسبة إلى الديمقراطيين الذين قد يرغبون في التصويت ضد بايدن دون الإدلاء بتصريح مناهض للقاحات. لذا ينبغي أن يكون من السهل نسبياً على الحزب فرض ما يشبه الحجر الصحي على ترشحه للمنصب، مثل تحديد نسبة 10 في المائة كنسبة ممكنة، ونسبة 30 في المائة كنسبة غير معقولة.
إن حد الـ30 في المائة، الذي تجاوزه كل من مكارثي وبوكانان في الانتخابات التمهيدية في ولاية نيو هامبشاير، هو الذي سوف يثير مشكلات فعلية لبايدن في حال تجاوزه. أشك في أن يكون هناك ما يكفي من مشاعر السخط والتذمر المستندة إلى العمر واللياقة البدنية فقط لتحقيق ذلك الأمر، لكن هل هناك من هو أقرب إلى التوجه السائد من روبرت كينيدي جونيور، ويرغب في إثارة تلك المشكلات، وتعريض شخصه وصورته لخطر تحمّل اللائمة والمسؤولية عن وصول ترمب، أو رون دي سانتيس إلى الرئاسة؟
في الحالة المثالية، سوف تنتهي سطور مقال مثل هذا بذكر اسم ذلك الشخص في إشراقة تنبؤية، لكن نظراً لعدم وجود مرشح حاضر لديّ، ربما يستطيع بايدن التنفس بسهولة، مع تفوق حقيقة غياب أي بديل مقنع وجدير بالثقة على كل العراقيل والمعوقات المتعلقة بالتقدم في العمر.
* خدمة «نيويورك تايمز»