نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

«داعش» يثير توتر «طالبان»

يبعث الانتقال الهادئ والسريع داخل «طالبان» في أعقاب اعتراف الجماعة بوفاة الملا عمر برسالة قوية مفادها أنها تخشى الصعود المحتمل لـ«داعش» في أفغانستان إذا ما أخفقت في إظهار وحدة صفها. في الواقع، ينبغي أن يعد هذا الأمر مفيدًا بالنسبة للحكومة الأميركية في خضم محاولاتها التفاوض مع الحكومة الأفغانية و«طالبان» حول اتفاق للانتقال. ورغم أن «طالبان» لا تزال تطالب بما يشبه سيطرة فعلية على البلاد كجزء من ذلك الاتفاق المقترح، فإن لديها حافزًا في الوقت الراهن لم يكن متوافرًا قبل صعود «داعش» للدخول في محادثات جادة.
جدير بالذكر أن الرجل الذي سيحل محل الملا عمر، الملا أختر محمد منصور، كان نائبًا للملا عمر وتولى فعليًا قيادة «طالبان» منذ وفاته، وربما قبل ذلك. ويبدو أن اختياره يلمح إلى أن «دائرة حقاني»، وهو فصيل تنامت قوته تدريجيًا، لديه استعداد للتوصل لتسوية بخصوص اختيار القيادة، بدلاً من الضغط لتعيين نجل عمر، الذي يقال إن «دائرة حقاني» تفضله.
إلا أنه بالنظر إلى نائبي منصور نجد أن أحدهما من قيادات «دائرة حقاني»، والآخر قاضٍ سابق لدى «طالبان» يقال إنه قريب من الدائرة. ويشير ذلك إلى التوصل إلى تسوية كبرى بين «مجلس شورى كويتا» و«دائرة حقاني»، التي ناضلت للهيمنة على الجماعة على مدار السنوات الماضية.
وتتمثل أكثر النتائج منطقية من وراء ذلك في أن كلاً من «مجلس شورى كويتا» و«دائرة حقاني» قد خلصا إلى أنه في الوقت الحاضر فإن طرح صورة تعبر عن وحدة الصف داخل «طالبان» أهم بكثير من منازعاتهما. وما يؤكد على هذا التفسير أن الإعلان عن الزعيم الجديد للجماعة يبدو وكأنه جرت صياغته على عجل، بحيث يتبع مباشرة الإعلان عن وفاة الملا عمر. والملاحظ أنه لم يكن جميع قادة «طالبان» حاضرين وقت اتخاذ القرار، ما يعد مؤشرًا آخر على ضيق الوقت.
والآن ما الذي يفسر وحدة صف أعضاء «طالبان» وتعجلهم، رغم ما اشتهروا به سابقًا من أناة وصبر؟ تكاد تكون الإجابة المؤكدة أنه إدراكهم أن أي فراع في قيادة الجماعة ستترتب عليه عواقب كبرى في الوقت الراهن. وما الذي تغير الآن بالنسبة لـ«طالبان»؟ صعود «داعش».
المؤكد أن العناصر التابعة لـ«داعش» داخل الأراضي السورية والعراقية بعيدة جغرافيًا عن أفغانستان، وكذلك سياسيًا عن تحالفات البشتون الواقعة في قلب الهيكل المعقد لـ«طالبان». ومع ذلك، فقد تمكن «داعش» من طرح نفسه كبديل رمزي لأي جماعة ترغب في تشكيل بديل جديد منافس لـ«طالبان».
في ليبيا، التي تبعد عن مناطق سيطرة «داعش»، استغلت عناصر تنظيمية مشابهة فراغ السلطة بالبلاد ووصفت نفسها بأنها تنتمي للجماعة. ويحمل اسم الجماعة في حد ذاته برنامجًا للتوحيد نهاية الأمر، واستراتيجية توسع بهدف السيطرة على المناطق الواقعة خارج نطاق سيطرة الدول.
في أفغانستان، يعد «داعش» البديل الوحيد المنطقي لـ«طالبان». والمؤكد أن بعض الأفغان يشاركون هذه الجماعة السنية المسلحة أهدافها.
من جانبه، يطمح «داعش» في السيطرة على العالم الإسلامي بأكمله، وبينما تطلق «طالبان» على نفسها اسم «إمارة»، وعلى منصور أميرها الجديد، فإن «داعش» يصف نفسه بـ«الخلافة» - وتبعًا للفكر التقليدي، فإن الأمير يدين بالولاء للخليفة.
المؤكد أن تهديد «داعش» المحتمل لـ«طالبان» يخدم واشنطن - ويعد بمثابة بصيص خافت من الأمل في خضم الظلام الذي يمثله خطر «داعش». حتى الآن، دارت المشكلة الهيكلية في محادثات السلام بين حكومة أشرف غني و«طالبان» حول أن الأخيرة ليس لديها حافز كبير للتخلي عن القتال. أما الحكومة الأفغانية فليست لديها القدرة على بسط سيطرتها على الكثير من الأراضي من دون دعم أميركي. وعليه، تمثلت الخطوة الصائبة تكتيكيًا أمام «طالبان» في الإبقاء على أعمال القتال عند مستوى متوسط والانتظار حتى تنسحب الولايات المتحدة وتنهار حكومة غني.
الآن، ترى «طالبان» تكلفة محتملة مرتبطة بالانهيار البطيء للحكومة والبلاد، ذلك أن التدريج ستترتب عليه فوضى وفراغ في السلطة واندلاع نزاعات داخل «طالبان» نفسها، بمعنى أنه كلما طال أمد الفترة المؤدية لانهيار حكومة غني، زادت فرص نجاح «داعش» في تقويض «طالبان». وترغب الأخيرة في تجنب التعرض لموقف تضطر خلاله، بعد أن انتصرت في حربها الطويلة ضد الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية، لخوض حرب جديدة ضد جماعة تتبع «داعش».
وعليه، تدعم «طالبان» إبرام اتفاق مع الحكومة الأفغانية يسمح لها بتعزيز سيطرتها الفعلية قبل أن يتمكن «داعش» من تحقيق نجاحات أخرى. ونظرًا لأن الهدف الأميركي الحقيقي حاليًا يبدو الإشراف على انتقال السلطة داخل أفغانستان من دون أعمال قتل انتقامية واسعة النطاق، فإن على واشنطن استغلال الفرصة السانحة.
في الواقع، إن هذا الانتقال السريع للسلطة إلى «طالبان» قد يبدو نتيجة شديدة التواضع، بل وإثارة للفزع، لكن تلك هي حال السياسات الأفغانية، فهي لعبة تبحث فيها عن أقل السيناريوهات القائمة سوءًا. وفي النهاية، تبقى حقيقة أن اندلاع مزيد من الحرب الأهلية بأفغانستان تتبعها إمكانية صعود «داعش» أسوأ لواشنطن عن صعود نظام حاكم فعلي تقوده «طالبان». و«طالبان»، من جانبها، تعي ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»