روس دوثات
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

هل كان العراق كارثة أسوأ لأميركا من فيتنام؟

في الذكرى العشرين لحرب العراق، ها نحن الأميركيين نقف في العراق الموقف نفسه الذي وقفناه في فيتنام عام 1985، بعد عشرين عاماً من وصول القوات القتالية إلى هناك عام 1965. لحظة كهذه يتعين علينا النظر فيها ومقارنة النزاعين وآثارهما، وتقييم أي منهما كان أكثر كارثية، وأي تدخل منهما يستحق أن نذكره كأسوأ قرار للسياسة الخارجية في تاريخنا.
الآن وبعد أن تلاشى دعمي الأول للحرب بعد أن باتت حماقتها واضحة للعيان، لا ينتابني شك في أن حرب العراق قد فاقت فيتنام فيما يخص الكوارث الأميركية. فقد تكبدت قواتنا الأميركية خسائر في الأرواح تخطت 12 ضعف ضحايانا في حرب فيتنام خلال العمليات القتالية. كانت إراقة الدماء بين العراقيين فظيعة، وكذلك كان عدد المدنيين في الحرب بفيتنام. خسرت الولايات المتحدة حرب فيتنام تماماً، وفي العراق، تركنا خلفنا جمهورية غير مستقرة وفاسدة بدلاً من ديكتاتورية جديدة، مع حكومة لا تزال تسمح بوجود عسكري أميركي.
على الصعيد المحلي داخل الولايات المتحدة، كانت الفترة المحيطة بحرب فيتنام مروعة؛ إذ تخللتها موجة من الإرهاب الداخلي، وأزمة في السلطة ما بين عامي 1960 - 1970، واتسمت الفترة التي أعقبت حرب العراق مباشرة بالتخبط والارتياب، لكن حتى مع فترة «الركود العظيم»، لم يكن هناك ذلك النوع من التطرف والانهيار الاجتماعي.
عندما انتخب باراك أوباما رئيساً، بدت النزعة المحافظة الأميركية محطمة بسبب العراق مثلما تحطمت الليبرالية الأميركية بفعل فيتنام، لكن بحلول فترة ولايته الثانية، عادت حالة الجمود الآيديولوجي مجدداً.
في أوقات متباينة، كالذكرى العاشرة للحرب في العراق، وربما حتى في الذكرى الخامسة عشرة، كان من الممكن تصور مستقبل طويل الأمد يعيدنا لذكرى مكافحة التمرد الدموي في الفلبين في بداية القرن العشرين أكثر مما نتذكر صدمتنا في فيتنام كحرب سيئة، لا كحرب أريقت فيها الكثير من الدماء، وأهدرت فيها الأموال، وتلاشت فيها المصداقية الأخلاقية فحسب، بل كحرب لم تكن نتائجها الاستراتيجية الشاملة كبيرة.
اليوم، هناك حجة أقوى لرؤية العراق باعتباره كارثة تاريخية. في الحياة الأميركية الداخلية، كان تأثير فيتنام أشبه بالحمى، في حين أن تأثير العراق كان أشبه بالهزال أو الانتكاسة. فقد انتشر تأثير الحرب ليتخلل الأزمات الاجتماعية الأخرى كأفيون بات أكثر وضوحاً وتدميراً بمرور الوقت، لتجعل آثاره المستمرة الجسم السياسي أكثر عرضة للتطرف اليساري والديماغوغية اليمينية، وتجلب مزاجاً تشاؤمياً وخيبة أمل تفاقمت بعد ذلك بسبب قوى أخرى (وسائل التواصل الاجتماعي وجائحة فيروس كورونا).
في تحالفاتنا السياسية، تبدو هذه الآثار المحبطة أكثر جوهرية وديمومة مما كانت عليه في 2010 أو 2015، فمنذ أن فقدت الحرب مصداقيتها وساعدت في حل تيار يسار الوسط المتشدد، لم يتمكن أحد من إعادة تشكيل فصيل وسطي قوي داخل التيار الليبرالي، مما أدى إلى سحب المؤسسات الليبرالية إلى اليسار منذ عام 2004. فمنذ أن فقدت الحرب مصداقية كل من المحافظين الجدد بشكل خاص، والمؤسسة الجمهورية بشكل عام، لم يتمكن أحد من الحفاظ على ثقل موازن ناجح للأشكال الشعبوية اليمينية المختلفة، مثل «حزب الشاي» و«الترمبيين».
هناك مفارقة مفادها أنه حتى مع الغليان الفكري في تيار اليمين في عهد ترمب، فإن محاولات صياغة «نزعة محافظة وطنية» أو شعبوية محافظة اجتماعياً تبدو أحياناً وكأنها مسعى للتراجع عن برنامج جورج دبليو بوش في عام 2000، قبل أن يستبدل بسياسته الخارجية المتواضعة حملة صليبية كبرى.
ولكن في ظل التأثير على موقف أميركا العالمي، تواصل تكاليف حرب العراق في التفاقم. فمن الواضح الآن أن الحرب وحدها ليست السبب، بل عواقبها الثانوية التي تواصل الانتشار - منها استثماراتنا المفرطة غير المجدية في أفغانستان التي وصفها العديد من الديمقراطيين المعارضين لغزو العراق بأنها «حرب جيدة» - قد أبقتنا مقيدين خلال السنوات الحرجة لإعادة التنظيم الجيوسياسي، مما جعل من الصعب حتى التفكير في التعامل مع إحياء القوة الروسية وصعود الصين إلى وضع القوة العظمى.
كان التأثير الأكيد لهزيمتنا في أفغانستان على قرار فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا مجرد حلقة واحدة في سلسلة طويلة من العواقب التي شكلتها حرب العراق. وبالمثل، فإن موقفنا العدواني الجديد تجاه النظام الصيني هو محاولة محفوفة بالمخاطر للحاق بركب التحولات التي كان يجب أن نكون أكثر توافقاً معها قبل عقد من الزمان.
وعلى الرغم من أن آثار حرب العراق على مواقف العالم النامي تجاه الولايات المتحدة يمكن أن تكون مبالغاً فيها، فقد جعلنا غزونا نبدو كقوة مهيمنة أقل جدارة بالثقة - متهورة وغير ثابتة وغير موثوقة. ثم الطريقة التي ساهمت بها الحرب في انقساماتنا الداخلية واختلالاتنا جعلت الثقافة الأميركية تبدو أقل إثارة للإعجاب ويبدو المشروع الليبرالي الديمقراطي الأوسع أقل حتمية. لذلك، لم يتم دفع روسيا والصين فحسب، بل أيضاً مراكز القوة الأخرى، من الهند إلى تركيا، صوب مسارات ما بعد أميركا وما بعد الغرب من خلال كل ما حدث بعد ذلك.
الآن لنعد إلى المقارنة بين عام 2023 ووضعنا في عهد ريغان، بالكاد بعد عقد من مغادرة المروحيات الأخيرة مدينة سايغون الفلبينية. فبحلول عام 1985، تمكنا من فصل الصين عن روسيا، وكان الاقتصاد السوفياتي متعثراً، وكان ميخائيل غورباتشوف قد انتخب للتو أميناً عاماً للحزب الشيوعي مع اقتراب الانفتاح السوفياتي وسقوط جدار برلين. اليوم، مع انحياز روسيا والصين معاً بشكل متزايد ضدنا وتزايد النفوذ الصيني، يبدو أننا نعود إلى ما يطلق عليه «صراع الغسق» الذي عشناه في عام 1985 وتجاوزناه أخيراً. لذلك، إذا بدت فيتنام بعد 20 عاماً وكأنها كارثة تمكنا من استيعابها بقوتنا، وهي عقبة يمكن التغلب عليها أمام الصعود الأميركي، فإن العراق بعد 20 عاماً يبدو أشبه بعدو لإمبراطوريتنا، عدو أوصلنا لحالة توقف كاملة.
بالطبع، قد تكون المظاهر خادعة. لم يدرك أحد تقريباً في عام 1985 مدى سرعة انهيار الاتحاد السوفياتي، وربما بدأت عودة الولايات المتحدة اليوم بالفعل. لدينا الموارد وأشكال الشرعية التي يفتقر إليها منافسونا، إذ إن أنظمتهم معرضة باستمرار لحماقات صناع القرار الاستبدادي. بالنسبة للبعض، ينظر إلى الصراع الأوكراني على أنه مدخل محتمل للإنعاش، أي لتنشيط الغرب بقدر ما فعل رونالد ريغان، ومارغريت ثاتشر، والبابا يوحنا بولس الثاني ذات مرة، مما دفع بوتين إلى المستنقع نفسه الذي عرضته أفغانستان على السوفيات، ومساعدتنا على زعزعة وضع العراق الحرج عبر جدول زمني مختلف عن متلازمة فيتنام، لكن نتائجه مماثلة.
ليس من قبيل المصادفة أن من بين أولئك الذين راودهم هذا الأمل، أكثر أنصار حرب العراق حماسة. فهم يريدون الخلاص لأسباب مفهومة: لرؤيتهم للقوة الأميركية، وليس لرؤيتهم لقرار العراق في حد ذاته.
لا أشاركهم تفاؤلهم، لكنني لست مندهشاً منه - خصوصاً عندما يبدو أن الاحتمال البديل، أن خياراً واحداً تم اتخاذه بهذه الثقة قبل 20 عاماً لا يزال يضع إمبراطوريتنا على مسار الغروب اليوم، وهو أمر يبدو أفظع من أن نتحمله.
* خدمة «نيويورك تايمز»