علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

تصويبات للطناحي في تعريفه بتاريخ مكتبة «دار العروبة»

كتب عن مكتبة دار العروبة بالقاهرة - في حدود اطلاعي - اثنان، هما أيمن فؤاد سيد ومحمود محمد الطناحي.
كتب عنها أيمن فؤاد سيد في مستهل كتاب «دراسات عربية وإسلامية: مهداة إلى أديب العربية الكبير أبي فهر محمود محمد شاكر بمناسبة بلوغه السبعين»، الصادر عام 1982.
قال عنها - وهو يسرد سيرة حياة محمود شاكر سرداً موجزاً - «في سنة 1957 أسس مع الدكتور محمد رشاد سالم والأستاذ إسماعيل عبيد مكتبة دار العروبة لنشر كنوز الشعر العربي، ونوادر التراث، وكتب بعض المفكرين. وباعتقاله هو وشريكيه في 31 أغسطس (آب) 1965 تم وضعها تحت الحراسة».
وكتب عنها محمود محمد الطناحي في ختام مبحثه عن تاريخ نشر التراث في مصر المنشور في كتابه «مدخل إلى نشر التراث العربي» الصادر عام 1948.
الطناحي كتب عنها كتابة موسعة. وسأتعقب بعض ما جاء في كتابته عنها بالتعليق وبالتصويب والاستدراك.
يقول الطناحي: «وكان بدايتها (لجنة الشباب المسلم) التي تكونت من بعض شباب الإخوان المسلمين، الذين كانوا يؤمنون بضرورة الاهتمام بالجانب الفكري والتربوي في الإسلام، وعدم التركيز على الجانب العسكري، مع إيمانهم العميق بوجوب الجهاد لإعلاء كلمة الله. وقد قامت هذه اللجنة عام 1371هـ = 1951م، واتخذت لها مكتبة بسكة راتب بالحلمية الجديدة، أمام المركز العام للإخوان المسلمين».
الطناحي كان يتحدث عن «مكتبة لجنة الشباب المسلم» التي تأسست عام 1950، فمنشوراتها بدأت بالصدور ابتداءً من هذا العام، وليس ابتداء من عام 1951.
«لجنة الشباب المسلم» اسم متأخر لمجموعة من شبان «الإخوان المسلمين»، كان عددهم تسعة أنشأوا لهم كياناً خاصاً داخل جماعة «الإخوان» عام 1947، وكانوا من الطلبة الجامعيين، الذين فرغوا أنفسهم للعمل الثقافي والفكري، الذي كان يرون أن جماعة «الإخوان المسلمين» هي بأمس الحاجة إليه، بعد أن سمح لهم حسن البنا مرشد جماعة «الإخوان المسلمين» بذلك، فأعفاهم من القيام بأعمال أخرى من أعمال الجماعة.
ولقد بلغ عدد شبان «الإخوان المسلمين» الذين اختارهم أولئك التسعة في عام التأسيس عام 1947، للعمل ضمن مشروعهم الثقافي والفكري سبعين شاباً.
«مكتبة لجنة الشباب المسلم» انبثقت من تلك المجموعة التي أسسها نفر منهم. ومنذ تأسيسها صارت المجموعة بأكملها تسمى بـ«لجنة الشباب المسلم». المجموعة بأكملها كانت لها أنشطة أخرى داخل جماعة «الإخوان المسلمين» ذات طابع فكري وتربوي وتنظيمي.
المفارقة أن التسعة الذين أسسوا هذه المجموعة كانوا ينتمون للتنظيم السري أو النظام الخاص في جماعة «الإخوان المسلمين»، لكنهم اختلفوا مع هذا التنظيم المسلح السري في أن «إقامة الدولة الإسلامية يجب أن تسبق الشروع في الجهاد الإسلامي».
يقول الطناحي، «وكان تمويل اللجنة الأساسي، على عاتق محمد رشاد سالم، وحده. ثم كان يوجه اللجنة فكرياً شيخ العربية محمود محمد شاكر. وقد شارك – حفظه الله – في نشاط اللجنة بتحقيق (رسالة الصلاة) للإمام أحمد بن حنبل».
من التبيان السابق، الطناحي يتكلم هنا عن «لجنة الشباب المسلم» التي كانت مكتبة ودار نشر وتوزيع. وقد يكون الخبر الذي تلقاه عن محمد رشاد سالم - وهذا ما أميل إليه - صحيحاً. لكن هل هذا يعني أنه من الناحية المالية كان قادراً على الصرف على اللجنة بسبب أن أسرته مرتاحة مالياً؟ وهل هي - فعلاً - كانت كذلك؟ هذا سبب لم يتعرض الطناحي له بالإيضاح.
إن «لجنة الشباب المسلم»، المكتبة ودار النشر والتوزيع تأسست عام 1950، ومحمد رشاد سالم تخرج في هذا العام في كلية الملك فؤاد، قسم الفلسفة. فلا بد له مع بداية تأسيس اللجنة من الصرف عليها مالياً بالاعتماد على أسرته.
إن اللجنة بأكملها وقبل أن تسمى باسم «لجنة الشباب المسلم»، وكانوا - كما قلنا - من الطلبة الجامعيين، كانت قائمة على تبرعات القادرين مالياً من أعضائها، لأن جماعة «الإخوان المسلمين» كانت لا تصرف عليها مالاً.
وكذلك كان حال فرعها «لجنة الشباب المسلم»، المكتبة ودار النشر والتوزيع.
إنه مع مرحلة تأسيس «لجنة الشباب المسلم» عام 1950، كان للمجموعة مقر وهو العنوان الذي ذكره الطناحي، فهل محمد رشاد سالم هو الذي استأجر المقر بسكة راتب بالحلمية الجديدة، ولم يسهم معه أعضاء «لجنة الشباب المسلم» في دفع الإيجار؟
على الأغلب أن الخبر الذي حدّث به محمد رشاد سالم، الطناحي، خبر صحيح، لأن كثيراً من أعضاء «لجنة الشباب المسلم» حين نشر الطناحي كتابه «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي» عام 1984 كانوا من الأحياء.
في الصفحة المخصصة في «مجلة الأزهر» للتنويه عن صدور كتب جديدة، بعد أن ذكرت ما ختم به أحمد بن حنبل كتابه «رسالة الصلاة»، وهو قوله: «رحم الله امرءاً احتسب الأجر والثواب، فبث هذا الكتاب في أقطار الأرض». قالت: «إن فريقاً من الشباب الجامعي ممن ألّفوا (لجنة الشباب المسلم)، أرادوا أن يكون لهم نصيب من الدعوة التي ختم بها الإمام رسالته، فبادروا إلى طبعها طبعاً جميلاً، وعهدوا بتصليحها ومراجعتها للأستاذ محمود محمد شاكر فجاءت في 64 صفحة صغيرة. وهي مما لا يستغني عن قراءته مسلم».
من هذا الخبر نستخلص أن تحقيق محمود محمد شاكر لهذه الرسالة كان في عام 1952، أي أنها لم تكن من إصدارات اللجنة الأولى. ونستخلص أن اللجنة أسسها طلبة جامعيون هو أمر مشتهر.
صلة محمود شاكر بهذه المجموعة هي أقدم قليلاً من التاريخ الذي تصوره خطأً، وهو عام 1951، المتعلق بتأسيس «لجنة الشباب المسلم»، المكتبة ودار النشر والتوزيع.
بداية الصلة - كما وثقها عبد العزيز كامل في سيرته الذاتية «في نهر الحياة»، وهو من أعضاء المجموعة التي أتحدث عنها - كانت في عام 1949، وذكر أن الذي تولى مهمة الاتصال به لمجاورته في السكن هو محمد رشاد سالم. وكان يسميه محمد رشاد رفيق. وهذا يعني أنه أيامها معروف بالاسم الذي استعمله عبد العزيز كامل في كتابه. وبالمناسبة اسمه الكامل هو محمد رشاد بن محمد رفيق سالم. وهو مصري من أصل حمصي. وحاصل على الجنسية السعودية. واسمه ملتصق بابن تيمية لأنه حقق بعض كتبه، ونشر كثيراً من تراثه.
اتصالهم بمحمود شاكر جاء ضمن اتصالات بأساتذة من خارج جماعة «الإخوان المسلمين»، أصحاب نزعة إسلامية، كان من بينهم عباس محمود العقاد وعبد الهادي أبو ريدة ومحب الدين الخطيب، الذي تولى وصلهم بهؤلاء هو - أيضاً - محمد رشاد سالم.
وأشك أن محمود شاكر في مرحلة إنشاء «لجنة الشباب المسلم» كان يوجهها فكرياً. فدوره كان تلقي بعض علوم اللغة العربية وبعض علوم الدين الإسلامي على يديه من قبل أعضاء اللجنة.
ثمة شخصية ثقافية وصحافية لها تاريخ سياسي عروبي حافل إلى منتصف عشرينات القرن الماضي، كانت لها دراية بمجريات الفكر الإسلامي وتياراته في العالم الإسلامي، وبالطباعة والنشر، سيأتي الحديث عنها فيما بعد، هي التي كان لها دور أساسي في تجربة «لجنة الشباب المسلم» بفضل تعاونها معهم.
يقول الطناحي، «ومن منشورات اللجنة رسالة لأبي الحسن الندوي، بعنوان: (أريد أن أتحدث إلى الإخوان)، وبعض رسائل لأبي الأعلى المودودي. وكتاب (أبو بكر الصديق) للأستاذ علي الطنطاوي. وفي تلك الأيام ثار عجاج أسود كئيب، حول بعض الصحابة، رضوان الله عليهم، قام وبدّده الأستاذ محمود محمد شاكر، بعدة مقالات في جريدة (المسلمون) بعنوان (لا تسبوا أصحابي). ثم دعت اللجنة الأستاذ محب الدين الخطيب ليشترك في التصدي لهذا الضلال، فاستخرج رحمه الله، جزءاً نشرته اللجنة، من كتاب (العواصم من القواصم) لأبي بكر بن العربي. وهذا الجزء يتصل بتاريخ الصحابة ومواقفهم».
رسالة أبي الحسن الندوي (أريد أن أتحدث إلى الإخوان) نشرتها «لجنة الشباب المسلم» عام 1951، وفي ظني أنها هي الرسالة الوحيدة التي نشرتها له هذ اللجنة، لأن «الإخوان المسلمين» أخذوا على عاتقهم نشر رسائله في جهات نشر أخرى. ومن فرط حماستهم لكتابه «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟»، الذي كان قد صدر عن لجنة التأليف والترجمة والنشر عام 1950، طبعوه طبعة ثانية عام 1951 لما حلّ عليهم ضيفاً عليهم في زيارته لمصر في هذا العام.
«لجنة الشباب المسلم» عنيت منذ أول إصداراتها بنشر بعض رسائل أبي الأعلى المودودي التي ترجمها من الأوردية إلى العربية تلميذ المودودي، مسعود الندوي. فـ«لجنة الشباب المسلم» هي أول من نقلت فكر المودودي إلى العالم العربي بداية من عام 1950، وجاءت عنايتها بنقل فكره لسد الفراغ الهائل في التنظير الإسلامي المحدث عند جماعة «الإخوان المسلمين».
وعن طريق هذه اللجنة تعرف سيد قطب إلى فكر المودودي من خلال قراءة بعض رسائله المترجمة من الأوردية إلى العربية.
للتغطية على اسم سيد قطب وعلى اسم كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، أوهم الطناحي قارئه بعبارة مبهمة، وهي أنه في أيام عام 1951 (وهو العام الذي توهم أن لجنة الشباب المسلم بدأت عملها في النشر) أثيرت أقاويل وشبهات حول الصحابة.
«تلك الأيام» من ناحية التزمين عبارة غير دقيقة. فكتاب سيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلام) صدر عام 1949، وقد تعرض له محمود شاكر بنقد قوي في مجلة – لا جريدة «المسلمون» في أربعة مقالات، أولها وثانيها كانا في العدد الأول والثاني من هذه المجلة في آخر عام 1951، وثالثها ورابعها كانا في العدد الثالث والرابع منها، وقد نشرا في عام 1952.
المقال الأول عنوانه «حكم بلا بيّنة»، والمقال الثاني عنوانه «تاريخ بلا إيمان»، والمقال الثالث عنوانه «لا تسبوا أصحابي»، والمقال الرابع عنوانه «ألسنة المفترين».
فمقالات شاكر كان عددها أربع مقالات، ولم يجمعها عنوان واحد هو «لا تسبوا أصحابي»، فهذا العنوان كان عنوان مقاله الثالث.
لاذ سيد قطب بالسكوت، ورد على محمود شاكر بالنيابة عنه محمد رجب البيومي في مجلة «الرسالة»، ونشبت بينه وبين محمود شاكر في هذه المجلة مجادلة، اصطف فيها علي الطنطاوي إلى جانب سيد قطب ضد محمود شاكر.
نشر محب الدين الخطيب لصفحات من كتاب «العواصم من القواصم» لأبي بكر بن عربي، الذي كان قد نشره الشيخ عبد الحميد بن باديس في مجلدين في أواخر العشرينات الميلادية، لا صلة له بكتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، ولا بنقد محمود شاكر له، ولا بدفاع محمد رجب البيومي عنه.
كما أن «لجنة الشاب المسلم» التي نشرت تحقيق وتعليق محب الدين الخطيب على كتاب «العواصم من القواصم» في صفحاته المتعلقة بالنزاع بين بعض الصحابة الذي تفاقم إلى نشوب حروب بينهم، لا صلة لها بالقضية التي أشار لها الطناحي على نحو مبهم. ولا هي التي دعت محب الدين الخطيب إلى نشر جزء يسير من كتاب «العواصم من القواصم»، ليشترك في التصدي للضلال المبهم.
محب الدين الخطيب الشامي المتمصر كان قد قرأ لابن تيمية منذ صغره وتأثر به حين كان في دمشق.
والأقرب للصحة أن تحقيقه لجزء يسير من كتاب «العواصم من القواصم» وتعليقه عليه أتى في سياق مناهضته لـ«دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» التي أسسها في القاهرة محمد تقي القمي عام 1947.
محب الدين الخطيب هي الشخصية الثقافية والصحافية التي قلت إنه كان لها دور أساسي في تجربة «لجنة الشباب المسلم»، فهذا الرجل كان يملك مطبعة ودار نشر، اسمها «المطبعة والمكتبة السلفية».
وقد طبع لأولئك الشباب الجامعيين «الإخوان المسلمين» منشوراتهم التي صدرت باسم «لجنة الشباب المسلم».
وكان هو حلقة الوصل بينهم وبين ترجمان المودودي إلى العربية، مسعود الندوي. لأن هذا الأخير كان يبعث من الهند مقالاته له لينشرها في مجلته «مجلة الفتح»، فعرفه.
فمحب الدين الخطيب وفر لـ«لجنة الشباب المسلم» فصول كتاب مسعود الندوي «نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية»، من مجلته مجلة «الفتح» لأنها كانت منشورة فيها. وكتب للكتاب مقدمة، وصف فيها مسعود الندوي بالصديق القديم.
يقول الطناحي، «وفي سنة 1954م، كانت المحنة الثانية لجماعة الإخوان المسلمين، وانطفأت جذوة الشباب، واغتيلت لجنته. ومرت الأيام، وهدأت الفتنة، ودعا شيخ العربية محمود محمد شاكر، الأستاذ إسماعيل عبيد؛ ليعيدا البناء المتهدم، بتصميم جديد، وطموحات كبرى، فكانت مكتبة (دار العروبة)، وحين عاد الدكتور محمد رشاد سالم من بعثته بإنجلترا، استقرت الدار شركة بين الثلاثة».
وضع الطناحي لما سماه بالمحنة الثانية هامشاً، قال فيه: «وكانت المحنة الأولى في عام 1949». وهو بهذا التحقيب لما سماه بـ«المحن» التي تعرض «الإخوان المسلمون» لها في تاريخهم، يشير إلى عام اغتيال حسن البنا، فجعل هذا العام هو بداية تاريخ «الإخوان المسلمين» مع المحن والابتلاءات الإلهية. وبصرف النظر عن أنه استخدم كلمة «المحنة» بمعناها الاصطلاحي الديني، وأن استخدامه هذا يثير مشكلات لاهوتية، ومضلل تاريخياً، لأنه يحجب عن رؤية الحقيقة كما كانت، ويحجب رؤية الواقع كما كان، فإن «الإخوان المسلمين» يختلفون معه في تحديد بداية عام المحنة الأولى.
هم يحددون البداية مع قرار حل تنظيم جماعة «الإخوان المسلمين» في 8 سبتمبر (أيلول) 1948، الذي تبعه إغلاق مؤسساتهم وحظر نشاطاتهم واعتقال كثير منهم.
أما اغتيال حسن البنا في 12 فبراير (شباط) 1949، فهم يرونه من تداعيات هذا المحنة وليس بدءها. ويرون أنه كان ذروة المحنة الأولى وما تلاها من محن إلى يومنا هذا وذروتها إلى يوم يبعثون.
بالإضافة إلى هذا فإن عام 1957، وهو عام تأسيس مكتبة «دار العروبة»، يفترض أن «المحنة الثانية» بحسب تحقيبه لا تزال قائمة. فهذا العام ليس عام الانفراج منها، فـ«الإخوان المسلمون» في هذا العام وأعوام تلته كانوا لا يزالون قابعين في السجون.
في هذه الفقرة تفصيل لما أجمله أيمن فؤاد سيد في سرده لسيرة محمود شاكر سرداً موجزاً، وهو تفصيل مهم حول كيف بدأت مكتبة «دار العروبة» وبمن ابتدأت.
كما أنه يحل إشكالاً يقع عند العارفين بسيرة محمد رشاد سالم الدراسية. فهو عاد من إنجلترا بعد أن حصل على الدكتوراه من جامعة كامبردج عن رسالته «موافقة العقل للشرع عند ابن تيمية» عام 1959، ومكتبة «دار العروبة» كما أسلفنا تأسست عام 1957.
يقول الطناحي، «وفي سنة 1965، كانت المحنة الثالثة لجماعة الإخوان المسلمين، وكانت فتنة عمياء، أطاحت فيما أطاحت بمكتبه (دار العروبة) - وقضي على أحد الآمال الكبار في نشر التراث العربي وإذاعته، وإلى الله المشتكى. وقد استقل الأستاذ إسماعيل عبيد، بعد ذلك بدار العروبة، واختار لها اسما جديداً، هو (دار التراث)».
قد يلحظ القارئ معي أن محمود محمد الطناحي ربط محمود محمد شاكر في عام 1984 بـ«لجنة الشباب المسلم» الإخوانية، وربط مكتبة «دار العروبة» بـ«الإخوان المسلمين»، وأرخ لها من بدايتها الأولى، والتي كانت - كما أوضحت - بداية مودودية هندية، من خلال النكبات التي حلّت بـ«الإخوان المسلمين»، التي كانوا هم سبباً فيها.
كانوا هم سبباً فيها إذا ما أردنا معرفة الحقيقة وفهم الواقع، بمعزل عن استعمال كلمتي «المحنة» و«الفتنة» بمعنييهما الاصطلاحيين الدينيين.
في عام 1999، حين كتب مقاله «محمود محمد شاكر والسهام الطائشة» للرد على بعض نقاده أنكر أن تكون لمحمود محمد شاكر، أي صلة بـ«الإخوان المسلمين»!
هو أنكرها عن علم بها، أما غيره فينكرها عن جهل بها.
وللتنوير «لجنة الشباب المسلم» لم ينته عملها عام 1965، فلقد استأنفت مشروعها عام 1974 في بيروت، حين أنشأت مجلة «المسلم المعاصر» التي نقلت مقرها لاحقاً إلى الكويت. ومن حسنات هذا الاستئناف، أنه لم يكن مودودياً ولا قطبياً.
قد يعتقد كثيرون أن اتخاذ مكتبة «دار العروبة» اسماً قومياً، لأن محمود محمد شاكر عروبي من الناحية اللغوية والثقافية. فالعروبة واللسان العربي وعلومه هي عنده الأساس في فهم الإسلام والدعوة لرسالته. وهذا تفسير صحيح لاتخاذ هذا الاسم عند هذا الرجل. لكنه عند محمد رشاد سالم وإسماعيل عبيد له تفسير آخر ذو طبيعة باطنية.
فـ«دار العروبة» اسم يذكِّرهما بـ«دار العروبة لنشر الدعوة الإسلامية» وبمعتمدها مسعود الندوي، اللذين فتحاً لـ«لجنة الشباب المسلم» النهل من فكر المودودي، ويسّرا لها نشره في العالم العربي. وللحديث بقية.