د. محمد علي السقاف
كاتب يمنى خريج جامعتَي «إكس إن بروفانس» و«باريس» في القانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية حاصل على دكتوراه الدولة في القانون عن منظمة «الأوابك» العربية من السوربون ماجستير في القانون العام ماجستير في العلوم السياسية من جامعتي باريس 1-2. له دراسات عدة في الدوريات الأجنبية والعربية والعلاقات العربية - الأوروبية، ومقالات نشرت في صحف عربية وأجنبية مثل «اللوموند» الفرنسية. شارك بأوراق عمل في مراكز أبحاث أميركية وأوروبية عدة حول اليمن والقضايا العربية. كاتب مقال في صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

حول المبادرة الصينية والوساطة السعودية في الأزمة الأوكرانية؟

في نهاية مقالنا الأخير تساءلنا إذا كانت المبادرة الصينية المقترحة للسلام في أوكرانيا، قبل الإفصاح عنها، قد عرضت بنودها على الطرف الروسي وتحديداً على الرئيس بوتين شخصياً؟
ما بنود هذه المبادرة؟ وهل أخذت بعين الاعتبار مواقف طرفي النزاع مباشرة وحلفاء أوكرانيا الغربيين؟ ماذا كانت ردود فعل مختلف الأطراف إزاء المبادرة؟ وما فرص نجاحها أو احتمال تعليقها دون الذهاب إلى القول مبكراً بفشلها؟ وماذا عن مساعي أطراف أخرى مثل المملكة العربية السعودية والدور المحتمل أن تلعبه في هذا الاتجاه؟ ما مدلول زيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأولى من نوعها للقاء الرئيس الأوكراني زيلينسكي؟ ألا تؤشر هذه المساعي على حجم الاهتمام الذي توليه دول الجنوب لحل الأزمة ورغبتها في لعب دورها في إرساء نظام دولي جديد؟
قدمت الصين مبادرتها يوم الجمعة، 24 فبراير (شباط) الماضي، بعنوان «موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية»، وهي مؤلفة من 12 بنداً بهدف وضع حد للنزاع في أوكرانيا، تزامناً مع الذكرى السنوية الأولى للاجتياح الروسي. ونشير هنا إلى بعض بنود المبادرة الأساسية، التي في ترتيب ترقيمها تعكس بوضوح الحكمة الصينية في محاولة التوفيق بين مواقف طرفي النزاع.
البند الأول من المبادرة نص على ضرورة احترام سيادة الدول كافة، وأن الدول جميعاً متساوية، وفق القانون الدولي. وُضع البند الأول بتلك الصيغة لاستمالة أوكرانيا، في حين تعلم الصين أن ذلك سيثير تحفظ الجانب الروسي عليها، ولكنها في مسعاها هذا تعلم حجم المصالح والعلاقات الجيواستراتيجية التي تربطها بروسيا وربما تتمكن القيادة الصينية بإقناعها عند لقاء قيادتي البلدين. وهو أيضاً المبدأ الذي أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة مرتين بغالبية ساحقة في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، وفي فبراير هذا العام. واعتبر الرئيس الأوكراني زيلينسكي في مؤتمر صحافي أنه في الوثيقة التي قدمتها الصين «يبدو، بالنسبة لي، أن هناك احتراماً لوحدة أراضينا ولأمور تتصل بالأمن. علينا أن نعمل مع الصين على هذه النقطة».
والبند الثامن الداعي إلى عدم جواز استخدام الأسلحة النووية… أو التهديد باستخدامها وغيرها من أسلحة الدمار الشامل… قد لا يروق للموقف الروسي وإن كان حقيقة لم يعلن الرئيس بوتين شخصياً وبشكل صريح احتمال لجوئه للسلاح النووي، وترك هذا الأمر لآخرين من القيادات الروسية للتلويح به على اعتبار أن روسيا لا تواجه أوكرانيا وحدها، بل هي مواجهة روسيا مع الولايات المتحدة و«حلف الناتو». النصوص التي دون شك لن تروق للولايات المتحدة وبعض من حلفائها ما تضمنته المبادرة الصينية في البند الثاني، ومغزى أهميتها أنها جاءت مباشرة بعد البند الأول، والداعية إلى أنه «لا يمكن ضمان أمن دولة ما على حساب أمن الدول الأخرى، ولا يمكن ضمان الأمن الإقليمي من خلال تعزيز الكتل العسكرية، بل وتوسيعها»، وإنه من الضروري «احترام المصالح المشروعة والهواجس الأمنية للبلدان جميعاً ومعالجتها بشكل مناسب»، ومن الواضح هنا أن الإشارة إلى «الكتل العسكرية وتوسيعها» المقصود بها «حلف الناتو»، وتوسيع عضويته لمحاولة تطويق روسيا عسكرياً... ودعم الغرب الآن اللامحدود لأوكرانيا يمثل تهديداً مباشراً لها.
كما يوجد في البند العاشر نصٌ بالتخلي عن فرض العقوبات أحادية الجانب، وبذلك تؤكد بكين أنها لا توافق على إساءة استخدام العقوبات الأحادية في سياق النزاع الأوكراني. واختتمت المبادرة في البند الأخير بتأكيد الصين استعدادها للمساعدة والقيام بدور بناء في إعادة الإعمار في منطقة الصراع في مرحلة ما بعد النزاع، الأمر الذي لن يتم تحفظ أي من الأطراف على هذا البند الأخير، وربما السؤال الذي قد يثار إذا كان ذلك مشروطاً بالموافقة الكلية على نصوص المبادرة وليس فقط على بعض بنودها.
مدخل الوساطة السعودية في الأزمة الأوكرانية ركز على الجوانب الإنسانية، ولم يتبنَّ مبادرة لحل الأزمة؛ بسبب اختلاف طبيعة أدوار كل من الصين والسعودية وعلاقتهما بطرفي النزاع من جهة، ولأن المملكة لا تريد كما يبدو لي الظهور بوصفها منافساً في هذه المرحلة للمبادرة الصينية.
لهذا ركزت الوساطة السعودية جهدها في تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا، وحققت نجاحاً في تنفيذ هذه المهمة. وقدمت المملكة حزمة مساعدات إنسانية إضافية بمبلغ 400 مليون دولار تنفيذاً لما أعلنته في أكتوبر من العام الماضي خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه ولي العهد السعودي بالرئيس الأوكراني.
في هذا السياق، قام للمرة الأولى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بزيارة إلى كييف في فبراير الماضي عقد خلالها جلسة محادثات مع رئيس أوكرانيا وعدد آخر من المسؤولين؛ لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وحرص السعودية ودعمها لجميع الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة «الأوكرانية - الروسية».
بعد زيارة كييف، قام وزير الخارجية السعودي بزيارة موسكو، وعقد جلسة مباحثات مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وتطرق البحث خلالها إلى العلاقات الثنائية ورزمة من الملفات الإقليمية والدولية، على رأسها الوضع حول الأزمة الأوكرانية، منوهاً باستعداد بلاده للقيام بما يلزم لحل الصراع كما عملت فيما يتعلق بتبادل الأسرى، وذلك بإشراف شخصي على هذه العملية من جانب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. بدوره أعرب لافروف عن تقدير بلاده لزيادة اهتمام السعودية بالمشاركة بشكل نشط، ليس فقط في تسوية القضايا الإقليمية، «ولكن أيضاً في القضايا على المستوى الدولي».
إذا كانت المبادرة الصينية تراوحت ردود الفعل إزاءها بين الترحيب والتحفظ، فإن الوساطة السعودية لاقت قبولاً واسعاً من الأطراف جميعها. والسؤال المطروح هنا: هل تتمكن الصين مستقبلاً من تحقيق النجاح في الأزمة الأوكرانية ما حققته في «اتفاق بكين» بين السعودية وإيران؟ وهل هذا الأخير يعتبر نجاحاً أم الوقت مبكر للحكم عليه؟
وللحديث بقية.