سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

حاول نابليون بونابرت دخول موسكو في 1812 فلم يستطع، وكانت الثلوج التي تغطي ميدان المعركة في مقدمة الأسباب، ومن بعدها دخلت ثلوج الشتاء كتاب التاريخ، وقيل من يومها إن الجنرال ثلج وقف يحارب في صفوف الروس ضد نابليون.
وعندما حاول هتلر دخول الاتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية، راهن السوفيات في مواجهته على ما راهن عليه أسلافهم أيام نابليون، وقالوا ما معناه أنهم سوف يراهنون على الجنرال الأبيض أو الجنرال ثلج، وأن جيش الألمان سوف يجد هذا الجنرال العجيب في انتظاره، وأن الأصقاع السوفياتية الشهيرة سوف تكون لقوات هتلر بالمرصاد.
وقد كان هذا تقريباً هو ما حدث، ولم يأخذ الزعيم النازي درس نابليون في الاعتبار فسقط في ذات الفخ، وعادت قواته وتراجعت أمام الجنرال الأبيض.
وكان الدرسان هما الأبرز في موضوعهما، لأنه لا فرق بين الدرس الفرنسي في القرن التاسع عشر، والألماني من بعده في القرن العشرين، ولو أن الألمان وضعوا الدرس النابليوني في الحساب، فربما كانوا قد اقتحموا موسكو في توقيت آخر لا ينتظرهم فيه الجنرال الأبيض، وربما كان واقع العالم قد تغير في الحرب العالمية الثانية، وفيما بعدها بالطبع وصولاً إلى اليوم.
وعلى مدى الفترة من الحرب الثانية إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، أصبح الجنرال ثلج طرفاً في معادلات كل الحروب بلا استثناء، ولم يعد أي قائد في أي حرب يتخذ قرار توقيت المعركة، إلا وهو يمد بصره إلى هناك حيث نابليون مرة، وحيث هتلر من بعده مرة ثانية، وحيث الدرس الواحد في الحالتين.
ولم يحدث من بعد الحرب الثانية أن وقف الجنرال ثلج في طريق أي قوات محاربة، وكان المعنى أن الجيوش بامتداد العالم قد وعت الدرس، وأنها كلها لم تسمح لهذا الجنرال الفريد من نوعه بأن يقف في طريقها، ولا بأن يعطل تقدمها إلى الأمام.
هذه الأيام يكاد الموضوع يتكرر في تركيا، ولكن بالطبع على مستوى آخر هو مستوى انتخابات الرئاسة والبرلمان التي ستجري هناك في 14 مايو (أيار) المقبل.
والقصة بدأت عندما قررت ستة من أحزاب المعارضة التركية مواجهة الرئيس التركي في السباق الانتخابي من خلال جبهة واحدة، وطوال الفترة الماضية كان قادة هذه الأحزاب يجتمعون ويلتقون، وكانوا يطلقون على اجتماعاتهم: طاولة الستة.
وفي كل المرات التي اجتمعوا خلالها حول طاولتهم التي ذاع صيتها بهذا المسمى في وسائل الإعلام، كانوا يفتشون عن واحد من بينهم يواجهون به إردوغان في السباق إلى القصر، وكانوا يعرفون أن مواجهته ليست سهلة، وأن عليهم أن يختاروا جيداً، وأن يدققوا في مرشحهم طويلاً، وأن يطرحوا الاسم القوي القادر على إقصاء الرئيس.
وبعد طول اختيار ومداولة، وقع الاختيار على كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، ليكون هو فرس الرهان في السباق المرتقب.
وما كاد الاسم يخرج إلى النور حتى كان الخلاف حوله قد نشب على الفور بينهم، وحتى كانت ميرال أكشينار، زعيمة أحد الأحزاب الستة، قد أعلنت اعتراضها عليه بقوة وتصميم، ولم يكن اعتراضها عليه كشخص، ولكن على مدى قدرته على مواجهة إردوغان.
وهي لم تشأ أن تجعل اعتراضها على كليتشدار اعتراضاً شفوياً أو نظرياً، ولكنها ترجمت الاعتراض بطريقة عملية أمام رفاقها في جبهة الأحزاب الستة، وقالت إن هناك أسماء سياسية بديلة، وإن في المقدمة من هذه الأسماء منصور ياواش، رئيس بلدية أنقرة، أو أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول، وأن كل واحد منهما يملك من الخبرة، ومن التجربة السياسية، ومن ثقل اسمه سياسياً، ومن التاريخ الذي يحمله على ظهره، ما يجعله على قدر المنافسة مع مرشح مثل إردوغان.
وقد بدا أن رفاقها لم يقتنعوا بما تقول رغم وجاهة ما تقوله، رغم أن رجلاً مثل إمام أوغلو على سبيل المثال، ربما يكون الأقدر بالفعل على منافسة الرئيس التركي، وربما يكون أقدر حتى على الفوز عليه لسببين اثنين؛ أحدهما أنه يجلس في المنصب نفسه الذي جاء منه إردوغان إلى رئاسة الحكومة ثم رئاسة الدولة، والسبب الثاني أن حكماً بالسجن كان قد صدر عليه مؤخراً، ومن شأن ذلك أن يجلب له عطف الناخبين في البلاد بالضرورة، وأن يعظم من حظه في صناديق الاقتراع.
ولم يجد القادة الستة بديلاً عن أن يجلسوا من جديد ليتداولوا الأمر، وكان لا بد من الاحتفاظ بالسيدة أكشينار على الطاولة، لأنها هددت بمغادرة الجبهة، ولأن مغادرتها تؤدي إلى انفراط عقدهم، وهذا ما سوف يكون في صالح إردوغان بالتأكيد.
وقد جلسوا وتداولوا فيما بينهم، وعادت أكشينار إلى الطاولة، وتوافقوا جميعاً مرة أخرى على اسم كليتشدار، ولكن بشرط واضح طلبته رئيسة الحزب العائدة، وكان الشرط الذي وافق عليه القادة الخمسة الباقون، هو أن يعين مرشحهم التوافقي رئيسي البلديتين نائبين له إذا فاز في السباق.
وعلى هذا الأساس سينطلق السباق الرئاسي في موعده من الشهر بعد المقبل، وسيكون على كليتشدار أن ينافس إردوغان.
ولكن الحاصل أن الرئيس التركي سوف يجد نفسه أمام منافس آخر، وهو منافس ربما لم يخطر للقادة الستة على بال، لأنه منافس من نوع فريد تماماً، ولأنه لم يكن له وجود قبل فجر يوم السادس من الشهر الماضي، عندما ضرب الزلزال تركيا ومعها سوريا بقسوة وعنف.
وإذا شئنا الدقة قلنا إنه منافس من نوع الجنرال الذي وقف في طريق نابليون في القرن التاسع عشر، ومن نوع الجنرال الذي اعترض طريق هتلر في القرن التالي.
والقصد بالطبع هو الجنرال زلزال، الذي سيكون له تأثيره في صناديق الاقتراع دون شك، وسيحاول مرشح المعارضة التوافقي توظيفه إذا انتبه إلى أنه سيكون له صوت، وأن صوته ربما يكون رقماً في حسم المعركة في ميزان طرف دون الطرف الآخر.
ولهذا السبب نشط الرئيس التركي ولا يزال ينشط في المواقع التي ضربها الزلزال، وظهر فيها مرة بعد مرة، وكان يفعل ذلك عن قصد وسيظل يفعله من هنا إلى يوم الاقتراع، لأن مستوى أدائه في مواجهة الكارثة التي حلت بالبلاد سوف يكون له مفعوله، وسوف لا يتوقف المفعول عند الذين أصابهم الزلزال، ولكنه سوف يمتد بالضرورة إلى سواهم من عامة الأتراك، وقد يكون هذا المفعول صديقاً أو غير صديق بالنسبة لإردوغان.
الجنرال زلزال سيكون له صوت في الترجيح بين الطرفين المتنافسين على مقعد الرئاسة التركي، وسوف تميل الكفة في ناحية إردوغان إذا رضي الأتراك عن أدائه تجاه ما أصاب الناس، وسيحاول قادة المعارضة الستة استخدام هذا الجنرال في المعركة الانتخابية ما استطاعوا إلى ذلك من سبيل.
كان الجنرال الأبيض قد اصطف مع الروس في وجه نابليون، ومن بعده اصطف معهم أيضاً لصد هتلر، وربما يصطف الجنرال زلزال مع إردوغان في مواجهة المرشح التوافقي لطاولة الستة، وقد يفعل العكس فيصطف مع المرشح التوافقي.