د. محمد علي السقاف
كاتب يمنى خريج جامعتَي «إكس إن بروفانس» و«باريس» في القانون والعلوم السياسية والعلاقات الدولية حاصل على دكتوراه الدولة في القانون عن منظمة «الأوابك» العربية من السوربون ماجستير في القانون العام ماجستير في العلوم السياسية من جامعتي باريس 1-2. له دراسات عدة في الدوريات الأجنبية والعربية والعلاقات العربية - الأوروبية، ومقالات نشرت في صحف عربية وأجنبية مثل «اللوموند» الفرنسية. شارك بأوراق عمل في مراكز أبحاث أميركية وأوروبية عدة حول اليمن والقضايا العربية. كاتب مقال في صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

مقاربة زلزال سوريا وتركيا بأزمة أوكرانيا

عدد ضحايا الزلزال الكبير الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا، في غضون أسبوع واحد، يتجاوز عدد ضحايا الحرب الأوكرانية - الروسية لأكثر من شهر في الأقل. والدمار الذي أصاب المباني والبنية التحتية في البلدين لا مقارنة بينه وبين ما حدث خلال الأشهر الأولى في مختلف أرجاء أوكرانيا.
الزلزال المميت هو بفعل الطبيعة والموقع الجغرافي للبلدين، في حين أن تداعيات الأزمة الأوكرانية من القتلى والدمار والخسائر هي نتيجة السياسات لقادة أطراف الأزمة.
عدد ضحايا الزلزال والدمار الواسع ليس نتيجة مواقف سياسية وسوء إدارة من قبل مسؤولي الدولتين؛ تركيا وسوريا، لتحميلهم مسؤولية ما حدث في بلديهما، في حين أن ضحايا الحرب في أوكرانيا وتداعياتها أمر هو مسؤولية سياسيي أطراف الأزمة، ويمكن تصنيفها بأنها حالة ارتكاب جرائم حرب تستدعي طرحها أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. في حالة زلزالي تركيا وسوريا وضحاياهما لا توجد حالياً في القانون الدولي إمكانية تصنيفها ضمن شكل من أشكال وأنواع الجرائم المرتكبة؛ من جرائم ضد الإنسانية، أو غيرها من تصنيفات الجرائم… ولكن المهم في هذا الأمر ليس حول إمكانية تجريم حدوث الكارثة ما دامت كارثة طبيعية؛ وإنما تجريم عدم سرعة التجاوب في مساعدة المتضررين من الزلزال، مما أدى إلى تفاقم عدد الضحايا واتساع حالة الدمار الواسع.
هناك في بعض التشريعات الوطنية لعدد من الدول تجريم لعدم إغاثة الأفراد في حالة تعرضهم لحوادث مرورية وعدم القيام بالواجب في الأقل بطلب سيارات الإسعاف لنجدة المصابين.
في 6 فبراير (شباط) 2023 وقع الزلزال المدمر الذي؛ وفق توصيف لجنة الأمم المتحدة بشأن سوريا، يعدّ الأقوى في المنطقة منذ عقود، والذي وصفه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بأنه كان بقوة القنابل الذرية، والذي طال كلاً من سوريا وتركيا. وصرح باولو بييرو، رئيس اللجنة الأممية، بأهمية تأمين وصول المساعدات الإنسانية، حيث إن كثيراً من السوريين صاروا اليوم بلا مأوى بين المباني المنهارة تحت المطر والثلج، وأجواء شديدة البرودة. وقال: «لقد آن الأوان للتضامن». وعدّت نشرة الأمم المتحدة التي أوردت ذلك التصريح في 7 فبراير الحالي أنه في سوريا يوجد أكبر عدد من النازحين داخلياً في العالم ويبلغ 6.8 مليون نازح!
كيف تعاطى المجتمع الدولي مع هذه الكارثة الإنسانية التي أقر الجميع بضرورة النظر إليها بعيداً من المواقف السياسية؟ اتجهت الأنظار بصفة رئيسية إلى موقف الولايات المتحدة خصوصاً في كيفية التعامل مع موضوع العقوبات المفروضة على سورياً ليس بقرار أممي؛ وإنما بقرار أميركي بحت.
عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً في 7 فبراير؛ في اليوم الثاني لكارثة الزلزال، بشأن الأسلحة الكيماوية في سوريا، واكتفت الوكيلة الأميركية لشؤون مراقبة الأسلحة بتقديم التعازي والتعبير عن «الحزن البالغ لخسارة الأرواح المأساوية في الزلزال في كل من تركيا وسوريا».
وقام الرئيس بايدن شخصياً، في الساعات القليلة بعد الزلزال، بالاتصال بالرئيس إردوغان ليعرب عن استعداد الحكومة الأميركية «لتوفير المساعدات كافة اللازمة لتركيا حليفتنا في الناتو». وأوضح بيان من البيت الأبيض بتاريخ 10 فبراير قائمة ما سماها الجهود الأميركية المنقذة للحياة في المنطقة المتضررة، وهي: تقديم 85 مليون دولار لتوفير المأوى للنازحين والطعام والأدوية. توجه فريقا بحث وإنقاذ في المناطق الحضرية، تابعان لـ«الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، وكذلك نحو 170 ألف رطل من الأدوات والمعدات المختصة؛ بما في ذلك معدات هيدروليكية لتكسير الخرسانة، وحفارات للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ، إلى تركيا وحدها! ودعمت مروحيات أميركية عمليات النقل الجوي من قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، وقامت بنقل عناصر الإنقاذ إلى المواقع التي تشتد الحاجة فيها إلى عمليات الإنقاذ، وللأسف لم تكلف القاعدة الأميركية في سوريا القيام بالمهمة نفسها. وأشارت نشرة من البيت الأبيض إلى قرار وزارة الخزانة الأميركية يوم 9 فبراير إصدارها رخصة «عامة واسعة النطاق» لتوفير مساعدات الإغاثة في حالات الكوارث للشعب السوري. وأوضحت وزارة الخزانة أن هذه الرخصة سارية لمدة 6 أشهر وأنها أُصدرت بدوافع إنسانية! وانتقد البعض، مع ذلك، رفع العقوبات بأنه قرار مبهم لا يشمل إدخال النفط والمعدات لإعادة إعمار ما دمرته الزلازل. وكانت إحدى العقبات التي واجهت إغاثة المتضررين من الزلزال على الحدود التركية - السورية الحاجة إلى توفير معابر جديدة، والتي تمت معالجتها؛ وفق إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأن الرئيس السوري بشار الأسد وافق على فتح معبرين حدوديين إضافيين بين تركيا و«شمال غربي سوريا» لمدة 3 أشهر لإدخال مساعدات إنسانية للمتضررين من الزلزال، الذي هو في الأصل الأكثر معاناة من تداعيات الحرب الأهلية منذ عام 2011، ومشكلة هذه المنطقة أنها واقعة تحت هيمنة فصائل عدة متصارعة تعوق وصول المساعدات لمستحقيها؛ فقد استنزفت سنوات الحرب الطويلة المرافق الطبية في البلاد، ونحو 50 في المائة منها أصبح خارج الخدمة، بينما تشكو تلك التي تعمل من نقص المعدات والطواقم الطبية والأدوية؛ وفق ما ذكرته منظمة الصحة العالمية. ومناطق سيطرة الحكومة السورية تعاني أيضاً؛ وإن بدرجة أقل، من نقص في الأطباء المهرة والمعدات للتعامل مع كارثة الزلزال. وانطلاقاً من ذلك؛ أطلق الأمين العام للأمم المتحدة نداءً إنسانياً لجمع 400 مليون دولار لسد احتياجات المتضررين من الزلزال لمدة 3 أشهر. كما أطلق نداءً مشابهاً لمصلحة تركيا بمبلغ مليار دولار لمواجهة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 42 ألف شخص في تركيا وسوريا.
وبفارق يوم واحد؛ أطلقت وكالتان تابعتان للأمم المتحدة نداءً مشتركاً لتوفير 5.6 مليار دولار بهدف تخفيف محنة ملايين المتضررين من الحرب في أوكرانيا، تدفع لعدد من الدول المضيفة للاجئين، وكلها من دول أوروبا الشرقية، حيث ستساعد هذه الأموال 4.2 مليون لاجئ في البلدان المستضيفة. ويلاحظ هنا أن الأمم المتحدة، مثلما أشرنا أعلاه، قالت إنه في سوريا يوجد أكبر عدد من النازحين في العالم ويبلغ 6.8 مليون نازح.
هل يكمن اختلاف الحالة الأوكرانية عن السورية في أنهم لاجئون وليسوا نازحين، وهل هذا يبرر هذا التفاوت الكبير في التعاطي مع الحالتين؛ أم إن الجيوسياسي يحتم ذلك الاختلاف وليست الدواعي الإنسانية؟