مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

حساب نيتشه في «تويتر» و«فيسبوك»!

تقريرٌ ثمينٌ كتبته (ندى حطيط) في هذه الجريدة عن النصيحة بالعودة للفيلسوف الألماني الشهير (نيتشه) في عصر الفيضان التكنولوجي المعلوماتي المغرق.
التقرير استند إلى كتاب للباحث نيت أندرسون المتخصص بالتكنولوجيات الحديثة، في كتابه الجديد بعنوان: «عند الطوارئ، اكسر الزّجاج». خلاصةُ الطرح هي أنَّ إدمانَ الناسِ على «رضاعة» حليب السوشيال ميديا على مدار الساعة، ظاهرةٌ خطيرة وعواقبها شنيعةٌ يوماً بعد يوم، حيث قصفت مدافعُ السوشيال ميديا كلَّ الناس «كلهم» المهتم وغير المهتم، الصغير والكبير، العامّي والعالِم، الفقراء والأغنياء، لا فرق، الكل وقع في هذه الحفرة. كل يوم بل كل ساعة، تشعر بالنقص إن لم تكن مطلعاً على أحدث التحديثات والهاشتاقات والأخبار والقيل والقال.
في الأول، كانت متابعة الأخبار شأنَ المهتمين، وأهل السياسة والصحافة، حيث يحلّلون الأخبار وفي مرات يصنعونها، أمَّا اليوم فتجد العجائزَ يخبرن أحفادَهن بقصص الأمير هاري والحرب الأوكرانية والعزل الصيني وقمة دافوس!
يقول صاحبُ الكتاب إنَّه مع نموذج الارتباط الدائم بالإنترنت، تشجع التكنولوجيا الرقميّةُ الجديدة ترفيهاً رخيصاً مستمراً، وتدفع إلى الانفصال عن أجسادنا وعالمنا الماديّ وواقعنا الفعليّ إلى عوالم افتراضيّة، وتنتصرُ للتحفيز العقلي على النشاط البدني، وتمنح من خلال التحكم الرقمي الكامل القدرةَ اللحظيّة للوصول إلى كم معلوماتٍ غير محدود.
يقول أندرسون أيضاً إنَّ أغلبَنا لا يصبح باحثاً متعمقاً؛ فنحن ندع الأعمال الخالدة لشكسبير لمشاهدة الحلقة الأحدث من برامج تلفزيون الواقع الشعبويّة التافهة، وتضعنا كثرة المعلومات تحت ضغط الشعور بالحاجة إلى مواكبة كل الأشياء والاطلاع المحدّث لحظيّاً عليها، ما يمنع التعمّق في أي موضوع أو التخصص في مجال واحد، ناهيك عن أنَّنا عندما نعتاد مجرد تكرار وجهات نظر الآخرين والتفاعل معها، فإنَّنا توازياً نخنق أصواتَنا الذاتيّة وإمكاناتنا الإبداعية ودربتنا على التفكير المستقلّ.
يدعونا نيتشه، وهو الفيلسوف الخطير، الذي توفي عام 1900 إلى الانتقاء في القراءة والتعرف على الكتّاب، والفلاسفة، وإنَّه شخصياً اختار قراءة 8 مفكرين ومؤلفين، واكتفى بهم.
يقول المؤلف مستعيداً نصائحَ نيتشه في هذا العصر الرقمي القاهر، يصبح نظام الانتقائيّة النيتشويّ هذا ضرباً من ضروب المقاومة ضدّ نظام تكنولوجي غير إنساني، وسلوكاً ذا بعد سياسيّ وأخلاقيّ في مواجهة تغوّل عمالقة التكنولوجيا على حياة الأفراد.
رائعة عبارة نيتشه هذه حين قال: «هناك الكثير الذي لا أريد أن أعرفَه» يقول نيتشه: «فالحكمة تضع حدوداً، حتى للمعرفة».
نعم، ثمة طعامٌ فاسدٌ وغثٌ وتخمةٌ ضارة تقدمها لنا موائد السوشيال ميديا كل يوم، والمعدة كما قيل... بيت الداء... والحمية رأس الدواء!