فارا ستوكمان
TT

زيارة بايدن إلى حدود بلاده ستكون محرجة بالتأكيد

يطارد الجمهوريون الرئيس بايدن لأكثر من عام للسفر إلى الحدود الجنوبية، ورؤية الوضع بعينيه، وقد أكّد خلال لقاء جماهيري مع «سي إن إن» في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 قائلاً: «أعتقد أنه ينبغي عليّ زيارة المكان»، لكنه أوضح أنه كان منشغلاً للغاية، وهو ما منعه من القيام بتلك الرحلة. عندما تجوّل بايدن في الموقع خلال الشهر الماضي لتفقد مصنع لإنتاج الرقاقات الحاسوبية في ولاية أريزونا، وليس الحدود الجنوبية، هاجمته محطة «فوكس نيوز» التلفزيونية.
وتعدّ رحلته المخطط لها إلى مدينة إل باسو، التي استقبلت عدداً كبيراً من المهاجرين إلى حد جعلها تحوّل مركز المؤتمرات لديها إلى مأوى للمشرّدين، هي الرحلة الأولى إلى مجتمع حدودي منذ توليه للرئاسة، ويبدو أنها الأولى منذ حملته الانتخابية عام 2008، ومحكوم على تلك الرحلة بأن تكون سبباً في حرج ووضع سيئ.
بذل غريغ أبوت، حاكم ولاية تكساس، قصارى جهده لإحراج الإدارة على خلفية سياسات الهجرة التي تتبناها من خلال إرسال حافلات محمّلة بالمهاجرين إلى نيويورك وواشنطن، وقد أوصلت بعض تلك الشاحنات مهاجرين إلى منطقة بالقرب من منزل هاريس، نائبة الرئيس. لو لم يذهب بايدن إلى الحدود لرؤية الأزمة بشكل شخصي مباشر، لكان الجمهوريون سيرسلون أزمة الحدود إليه.
على الجانب الآخر، جاهد مسؤولو البيت الأبيض لتفادي استخدام كلمة «أزمة». كما أنه من غير المنطقي تسليط الضوء على مشكلة إلى أن يصبح لديك حل، أيضاً فإن التوصل إلى حلول على الحدود ليس بالأمر السهل والهين. مع ذلك يذهب بايدن إلى هناك ومعه خطة تتضمن مدّ مسار من الهجرة القانونية ليكون متاحاً لبعض المواطنين الفنزويليين، إضافة إلى القادمين من نيكاراغوا، وهاييتي، وكوبا. وفي إطار البرنامج الجديد للتقدم بطلبات «التعهد الشفهي»، سيتم السماح لهم بالعمل داخل الولايات المتحدة لمدة عامين إذا تمكنوا من اجتياز فحص أمني خاص بخلفيتهم، وكان لديهم أصدقاء أو أقارب يرغبون في رعايتهم.
في الوقت ذاته لن يكون بمقدور عدد لا يحصى من المهاجرين من دول أخرى الانتظار على الأراضي الأميركية لنظر طلبات اللجوء في المحكمة، بل سيكون عليهم تنزيل تطبيق «سي بي بي وان» على هواتفهم الذكية لحجز موعد مع مسؤول أميركي يمكنه التحاور معهم عند منفذ دخول.
كذلك سيتم طرد من لا يستطيع استخدام التطبيق لحجز موعد، وترحيله إلى المكسيك في إطار ترتيب وافقت عليه السلطات المكسيكية. بعد انتهاء زيارة بايدن إلى مدينة إل باسو، سوف يسافر إلى مدينة مكسيكو سيتي لحضور اجتماعات مع الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيس أوبرادور، وجاستن ترودو، رئيس وزراء كندا.
وتتمثل الفكرة في توسيع المسارات القانونية الآمنة، وردع الناس عن النزوح عبر الحدود. في عالم مثالي، سوف يحسّن التطبيق بشكل كبير الفوضى على الحدود من خلال السماح للناس بالتقدم بطلب مقابلة لجوء من منازلهم، ومن شأن ذلك إقصاء الوسطاء الخطيرين الذين يجنون أموالاً هائلة مقابل تهريب الناس عبر الغابة حتى يتمكنوا من الوصول إلى الحدود، ومن ثم التقدم بطلب لجوء.
كذلك من شأن ذلك أن يجدد أيضاً الطريقة، التي تتابع بها الحكومة الأميركية قضايا اللجوء، وتتبع المهاجرين أنفسهم، مما يجعل العملية بأكملها أكثر سلاسة. أيضاً طرحت بعض الجماعات المدافعة عن حقوق المهاجرين، بما فيها مجلس الهجرة الأميركي، أسئلة مشروعة وفي محلها بشأن كيفية استخدام الحكومة لإحداثيات «جي بي إس» (نظام التموضع العالمي)، وبيانات الإحصاء البيولوجي التي يتم جمعها عبر التطبيق.
مع ذلك يمكن أن يحدث تطبيق «سي بي بي وان» تحولاً كبيراً على نحو جيد، حيث يموت المئات من الناس سنوياً خلال الرحلة الخطيرة إلى الولايات المتحدة. تصور لو كانوا قد تمكنوا من الحصول على موعد من أجل تقديم طلب لجوء من دون تعريض أنفسهم إلى الخطر. بالنسبة إلى الذين بدأوا بالفعل رحلتهم داخل الغابات للوصول إلى الحدود، من المرجح أن يفطر النبأ الخاص بالتطبيق قلوبهم. حتى وقت قريب كان لدى مواطني كوبا، ونيكاراغوا، وفنزويلا فرصة جيدة للحصول على تصريح دخول إلى الولايات المتحدة، فمن الصعب ترحيلهم بسبب العلاقات الباردة بين بلادهم والولايات المتحدة، لكن في إطار خطة بايدن الجديدة، سوف تقبل الحكومة المكسيكية ما يقرب من 30 ألف شخص من تلك البلدان الثلاثة، إضافة إلى هاييتي، شهرياً، مما يسحق آمالهم في الوصول إلى أميركا إلى الأبد.
أثار هذا الجانب من البرنامج الجديد غضب نشطاء حقوق الإنسان، حيث دفع بعضهم إلى تشبيه بايدن بسلفه. مع ذلك تلك المقارنة غير عادلة، ففي المجمل قامت إدارة بايدن بعمل يتمثل في إلغاء سياسات الرئيس السابق ترمب التي كانت تتسم بالقسوة، وتسببت في فصل وإبعاد آباء عن أبنائهم الصغار، وجعلت عاملين غير مسجلين يعيشون في خوف دائم من الترحيل، وحدّت من طلبات اللجوء.
مع ذلك محاولات الرئيس بايدن لاستعادة صورة أميركا كبلد مرحب، وذي قلب كبير، لها مثالبها وجوانب سلبية. فقد كان لدى المهاجرين في المكسيك آمال كبيرة عندما تولى بايدن الرئاسة في أن يغير فوراً السياسات من أجل إدخالهم إلى البلاد، ومنذ ذلك الحين، تم السماح بدخول أكثر من مليون طالب لجوء إلى الولايات المتحدة ومعهم إشعارات بالمثول أمام المحكمة في قضايا من المرجح عدم النظر فيها لسنوات.
مع تزايد أعداد المهاجرين في بعض المدارس الأميركية، وملاجئ المشرّدين، يبدو أن الرأي العام يتحول بدرجة أكبر لصالح وضع المزيد من القيود على الحدود. لقد ارتفعت النسبة المئوية للناس الذين يقولون إن زيادة الأمن على طول الحدود الأميركية - المكسيكية من أجل الحد من عمليات العبور غير الشرعية «ينبغي أن يكون هدفاً مهماً»، إلى 73 في المائة، بعدما كانت 68 في المائة منذ ثلاث سنوات، بحسب استطلاع رأي حديث أجراه مركز «بيو ريسيرش سنتر» للأبحاث. وكان الديمقراطيون هم من وراء هذه الزيادة بدرجة كبيرة.
يحاول بايدن جاهداً الآن الحد من أعداد المهاجرين الذين يعبرون الحدود. وقال مظفر تشيشتي، زميل رفيع المستوى في معهد سياسات الهجرة إنه «يعرف جيداً كيف أعجزت مشاكل الحدود فترات رئاسية. إنه لا يريد أن يتذكره الناس بالحدود غير المسيطر عليها».
لا يحل البرنامج المشكلات البنيوية المتعلقة بمنظومة الهجرة الأميركية، بما في ذلك التراكم الهائل لقضايا اللجوء، وعدم وجود مسار واضح للحصول على الجنسية للأطفال الذين جاءوا إلى البلاد برفقة آبائهم. تقوم التعهدات الشفهية، التي يتم منحها في إطار خطة بايدن، على سند وأساس قانوني ضعيف وهشّ، على حد قول البعض، وتنتهي مدة سريانها بعد سنتين، وبعد ذلك سوف تستمر صفوف الأشخاص المقيمين في الولايات المتحدة بموجب وضع قانوني مؤقت، مع عدم وجود مسار للحصول على الجنسية، في التزايد.
ما تحتاجه البلاد حقاً هو إصلاح شامل لمنظومة الهجرة يقرّه الكونغرس. إذا أنبأ المشهد والأحاديث التي شهدها مجلس النواب خلال الأسبوع الماضي إلى شيء، بما سوف يحدث، فلن أحبس أنفاسي. وحتى يستجمع الكونغرس قواه للحكم، ستظل خطط برنامج التعهدات الشفهية هي اللعبة الوحيدة الموجودة في البلاد.
* خدمة «نيويورك تايمز»