زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الجوف تبوح ببعض أسرارها

تقع منطقة الجوف في شمال المملكة العربية السعودية وعاصمتها مدينة سكاكا. وتعتبر الجوف ومدنها من أكثر المناطق قرباً واتصالاً بحضارات بلاد النهرين أو العراق القديم، بل إن الفضل يعود إلى الجوف في صد غارات ملوك أشور وبابل وملوك الفرس أيضاً التي كانت مستمرة على شمال الجزيرة العربية، وبالتالي وقف الامتداد الأشوري والبابلي إلى الساحل الفينيقي وفلسطين، حيث تمتد من الجوف الطرق الرئيسية إلى فلسطين والشام عبر وادي السرحان.
لا تزال أعمال البحث والتنقيب في منطقة الجوف ومواقعها الأثرية تكشف لنا عن تاريخ المنطقة الضارب في عمق التاريخ، حيث أثبتت الحفائر العلمية أن العمران البشري في الجوف يعود إلى عصور ما قبل التاريخ. واستمر العمران البشري بالمنطقة طوال العصور التاريخية وكان أن ازدهر خلال العصر الأشوري عندما أصبحت الجوف مركزاً لملوك الشعب الأدومي أو ما عرف في المصادر الأشورية بشعب ومنطقة أدوماتو. وتذكر المصادر الأشورية أن الملك سنحريب دخل دومة الجندل وخربها وشرد قاطني الخيام بها الذين التجأوا إلى مدينتهم المحصنة طلباً للنجاة وغنم منها ألف جمل وحمل معه الآلهة المحلية إلى نينوى بالعراق سنة 688 قبل الميلاد بعد تحالف ملكتها (تلخونو) مع مملكة قيدار ضد الأشوريين. كذلك ورد اسم العرب ربما لأول مرة في نص أشوري يؤرخ بعام 853 قبل الميلاد يرجع إلى عهد الملك الأشوري شلمنصر الثالث (858 - 824 ق.م) في سياق الحديث عن دومة الجندل حين ورد اسم أمير عربي من المنطقة هو (جنديبو) الذي ترأس تحالفاً ضم 12 ملكاً عربياً في حملة برئاسة ملك دمشق (أدد إدري) تألف من الآراميين والعرب والعبرانيين للتصدي للملك الأشوري في غزوه إياهم.
ومن أهم المواقع الأثرية بالجوف موقع الشويحطية شمال مدينة الشويحطية، وبه عشرات المستوطنات البشرية القديمة التي عثر بها على أدوات العصر الحجري القديم أو الباليوليثي ويؤرخ بـ1.3 مليون سنة. وقد عثر على عدد ضخم من النقوش الثمودية ورسومات الحيوانات على صخور قرية القارة القريبة من مدينة سكاكا، إضافة إلى النقوش الصخرية والكتابات العربية القديمة التي عثر عليها بجبل برنس في سكاكا. وقد تحدثنا من قبل عن موقع الرجاجيل وأعمدة الرجاجيل الأثرية التي لا تزال تمثل لغزاً للباحثين، انتظاراً لمزيد من أعمال الكشف والتنقيب.
وإلى جانب ذلك هناك العديد من المواقع الأثرية بالجوف مثل موقع سمراء الحديثة، ووادي سمرمدة وحظوظاء، وقد عثر بها على مواقع استيطانية وآثار عبارة عن دوائر حجرية عملاقة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ ولا يزال الكشف عن أسرارها وتحديد وظيفتها وتاريخها الزمني من الأمور قيد البحث، وفي انتظار مزيد من أعمال المسح والتنقيب. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الجوف تضم واحداً من المواقع الأثرية التي على رغم ضخامة آثارها فإن أسرارها لم تكشف بعد ومنها أطلال المستطيلات العملاقة وهي بنايات على شكل مستطيل يبلغ طول ضلعها الكبير إلى أكثر من ألف متر، وتحتاج إلى المزيد من الدراسات الأثرية لكي نكشف عن أسرارها.
وتعتبر آثار البلدة القديمة المعروفة بدومة الجندل أحد أكبر المواقع الأثرية بالجوف وشمال المملكة العربية السعودية وقد أفردنا لها عدداً من المقالات التي تلقي الضوء على تاريخها وأهم الآثار بها.