وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

النفط في 2023

الذين تابعوا ما جرى في أسواق النفط منذ بداية جلسات هذا العام سيفقدون كل الأمل في أن تشهد أسعار النفط تحسناً بعد أن فقد نفط برنت نحو 9 في المائة في جلستين فقط، وكان النفط قد تخلى عن كل مكاسبه العام الماضي بحلول نهاية العام. قد يبدو الوضع متشائماً للغاية بعد تصريحات رئيسة صندوق النقد الدولي التى افتتحت العام على نظرة سلبية وتوقعات بركود اقتصادي عالمي، لكن هل الوضع بهذا السوء وهل سيفقد النفط المزيد من قيمته في السوق؟
إذا ما أردنا توقع القادم بناء على تحركات الأسعار الحالية فسوف يكون لدينا التشاؤم نفسه الذي يملأ السوق ولكن إذا ابتعدنا قليلاً وبدأنا في التفكير في الأساسيات والعوامل الأخرى فإن الأمور قد لا تكون بهذا السوء.
أولاً إن الطلب سيظل في النمو ولكن السؤال المهم: ما حجم هذا النمو؟ أوبك تتوقع الطلب أن ينمو بنحو 2.2 مليون برميل يومياً فيما تتوقع وكالة الطاقة الدولية نموه بنحو 1.7 مليون برميل يومياً. قد تغير المنظمتان أرقامهما هذا الشهر عند صدور أول تقرير في 2023 ولكن من المؤكد أن الطلب سينمو وهذا سيسبب دعماً للأسعار بشكل أو بآخر.
جزء من هذا الطلب ناتج عن تحول العديد من الدول الأوروبية إلى السوائل النفطية والديزل لتعويض استخدام الغاز الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير أو انخفضت إمداداته بشكل أو بآخر بسبب الصراع الروسي الأوكراني وهو ما زاد الطلب بنحو 550 ألف برميل يوميا.
هناك أمر آخر لا يتم أخذه في الحسبان حالياً وهو احتمالية تراجع المعروض النفطي العالمي هذا العام لأسباب كثيرة أولها عدم قدرة دول تحالف «أوبك بلس» على زيادة الإنتاج، إذ أظهر أخر مسح لبلومبرغ أن دول أوبك تنتج تحت السقف المتفق عليه في آخر اتفاقية في أكتوبر (تشرين الأول) بنحو 650 ألف برميل يومياً بسبب المشاكل الفنية في نيجيريا وأنغولا.
من ناحية أخرى تواجه روسيا تحديات كبرى في زيادة إنتاجها بسبب العقوبات المفروضة عليها وبسبب السقف السعري، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض إنتاجها بنحو 700 ألف برميل يومياً على الأقل وقد يصل إلى أكثر من مليون برميل يومياً.
في الوقت نفسه لا توجد طاقة إنتاجية فائضة في أوبك بلس كافية وهي تقف في حدود 3 ملايين برميل يومياً تتوزع غالبيتها بين السعودية والإمارات العربية المتحدة.
حتى في الولايات المتحدة التي يتوقع لها أن تنتج مستويات قياسية في 2023 فالوضع قد لا يكون بهذه السهولة إذا ما استمر الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة وزادت تكلفة الاقتراض على منتجي النفط الصخري الذين من المفترض أن يقودوا الارتفاعات.
وحتى المخزونات النفطية في العالم فلا تزال في وضع غير واضح، حيث تقول إدارة معلومات الطاقة الأميركية ووكالة الطاقة الدولية إنها في انخفاض فيما تقول أوبك إنها على ارتفاع. على الأقل في الولايات المتحدة المخزونات منخفضة. والوضع في سوق المشتقات ليس مشجعاً حيث انخفض مخزون الديزل عالمياً وفي ظل انقطاعات النفط الروسي الذي يعتبر من النفوط المتوسطة، وسيكون من الصعوبة على المصافي الأوروبية إنتاج المزيد من الديزل إذا ما تم تعويضه بنفوط خفيفة.
إذن أين تتجه الأسعار؟ من المبكر جداً معرفة اتجاه الأسعار وسيتعين على الجميع الانتظار حتى شهر فبراير (شباط) حين تتضح الصورة حول الحظر الروسي وباقي الأمور وعندها ستلتقي أوبك بلس وينقشع الغبار ويعلم الجميع إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي. لكن حتى اليوم متوسط غالبية التوقعات تشير إلى أنهمن المفترض أن يتداول عند 90 دولارا في البرميل هذا العام على الأقل بسبب تراجع المخزونات.