وليد خدوري
كاتب اقتصادي عراقي من أوائل الصحافيين العرب المختصين في رصد أسواق الطاقة وشؤون النفط. حاصل على شهادة الدكتوارة من الولايات المتحدة، ويمتلك خبرات واسعة في الصحافة والنشرات المتخصصة. كما عمل في منظمة "أوابك" وتدريس العلاقات الدولية.
TT

توسع عالمي ضخم لصناعة الغاز المسال

أدت الحرب الأوكرانية والتطورات الجيوسياسية النابعة عنها، ولا سيما حظر صادرات الغاز الطبيعي المصدرة عبر شبكات أنابيب طويلة المدى تمتد ما بين روسيا وأقطار السوق الأوروبية المشتركة، إلى تدفق عشرات المليارات من الدولارات سنوياً لصناعة إنتاج وتصدير الغاز المسال، وفق تقرير لشركة «رايستاد إنرجي» النرويجية لأبحاث الطاقة.
وتشير «رايستاد إنرجي»، في التقرير، إلى أن قيمة الاستثمارات المتوقعة في إنتاج وتصنيع الغاز المسال في عام 2024 سترتفع إلى نحو 42 مليار دولار سنوياً، أو حوالي زيادة 20 مرة عن معدلها في عام 2020 (سنة الجائحة حيث تقلصت الحركة الاقتصادية العالمية، ومعها انخفضت الاستثمارات في عدد من المجالات الاقتصادية العالمية).
وأشارت «رايستاد إنرجي» إلى أن هذه القفزة الهائلة في الاستثمارات العالمية للغاز المسال سببها الرئيس هو «محاولة تخلي أو تقليص معظم الدول في أوروبا وآسيا عن الاستمرار في استيراد الغاز الروسي عبر الأنابيب، باستثناء مهم وهو الصين». وجرى نشر ملخص واف عن التقرير في النشرة البترولية الباريسية «بترو-ستراتيجيز».
وتضيف «رايستاد إنرجي» أن الاستثمارات السنوية الحالية في صناعة الغاز المسال تقدر بنحو 27 مليار دولار في كل من عامي 2021 و2022. هذا، بينما يتوقع ازدياد الاستثمارات إلى حوالي 32 مليار دولار في عام 2023، ومن ثم ستبلغ الاستثمارات ذروتها عند 42 مليار دولار في 2024، لتشهد بعدها انخفاضاً تدريجياً خلال السنوات اللاحقة، حيث يتوقع عودة معدل الاستثمارات إلى 2.3 مليار دولار في عام 2029، ليرتفع بعدها إلى 20 مليار دولار في 2030.
يعود السبب في عدم توقع «رايستاد إنرجي» إعادة ارتفاع معدل الاستثمار السنوي في صناعة الغاز المسال لمستواه العالي في عام 2024، للاهتمام الذي سيحصل عندئذ بالصناعات التقنية ذات الانبعاثات الكربونية المنخفضة، بدلاً من صناعتي الغاز الطبيعي والغاز المسال.
رغم ذلك تؤكد «رايستاد إنرجي» أن الغاز سيستمر يشكل عاملاً مهماً في السلة الهجينة التي ستزود الطاقة لتوليد الكهرباء في عدد من دول العالم. هذا رغم الإصرار على تصفير الانبعاثات من خلال تقليص دور الوقود الأحفوري.
وتشير إحصاءات «رايستاد إنرجي» إلى أنه يتوقع ازدياد الطلب العالمي على الغاز بنحو 12.5 % بين الآن وعام 2030، إذ من المتوقع أن يزداد الطلب من نحو 4 تريليونات متر مكعب في الوقت الحاضر، إلى حوالي 4.50 تريليون متر مكعب، إذ يتوقع استقرار الطلب في شمال وجنوب أميركا خلال عقد الثلاثينات. لكن، في الوقت نفسه، يتوقع حصول زيادة حادة في الطلب على الغاز في منطقة آسيا - الباسفيك بنحو 30 % إلى 1.16 تريليون متر مكعب، مقارنة بحوالي 900 مليار متر مكعب في الوقت الحاضر.
لكن، من المهم الانتباه إلى الأرقام السابق ذكرها، فالكثير سيعتمد على كيفية نقل الغاز، مسالاً (بالناقلات المتخصصة)، أو طبيعياً (بالأنابيب الطويلة المدى). وتدل أرقام «رايستاد إنرجي» على أنه بالنظر إلى التوسع الضخم للبنى التحتية في تصدير واستيراد الغاز، فإنه من المتوقع أن ترتفع صادرات الغاز المسال إلى نحو 636 مليار طن/ سنوياً بحلول عام 2030، مقارنة بمعدل التصدير الحالي البالغ 380 مليار طن/ سنوياً لعام 2021. وتتوقع «رايستاد إنرجي» أن تبلغ ذروة إنتاج الغاز المسال 705 مليارات طن/ سنوياً في عام 2034.
وفيما يتعلق بطاقة الصادرات للدول المعنية، تتوقع «رايستاد إنرجي» أن تشيد الولايات المتحدة، خلال السنوات المقبلة، الطاقة الأضخم في مجال الغاز المسال، منتهزة فرصة زيادة الطلب على غازها المسال في الأسواق الأوروبية والآسيوية. ومما يساعد الولايات المتحدة في زيادة طاقتها التصديرية للغاز المسال وتشييد البنى التحتية اللازمة لذلك هو استفادتها من زيادة أسعار الغاز. فعلى سبيل المثال، يتوقع في عام 2024 تدشين منشأة «غولدن باس» للغاز المسال (كلفة التشييد 10 مليارات دولار)، وتدشين منشأة «بلاك ماينس» (كلفة التشييد 13.2 مليار دولار) في عام 2025. وتشير «رايستاد إنرجي» كذلك إلى أن كلاً من قطر وموزامبيق (التي بدأت التصدير حديثاً) وروسيا ستلعب أيضاً دوراً عالمياً في صناعة تصدير الغاز المسال.
لكن سيعتمد دور روسيا في صناعة الغاز المسال على إمكانياتها في الانتهاء من تشييد مشروع «الغاز المسال-2 القطبي»، المهدد حالياً بالعقوبات الغربية عليها من قِبل الحكومات الغربية.