فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

إيران والسياسة الخارجية ومعضلات الداخل

يبدو النظام الإيراني في غاية الاغتباط بانشغال المجتمعات بالمونديال؛ الهزة الكبرى في الداخل أثرت عليه كثيراً، لم يكن يتوقع هذا التحرك الكبير، وكل ذلك بسبب ثيوقراطية النظام، والاستبداد الديني، حيث يجلدون النساء في الشوارع ويقتلونهن تحت التعذيب بسبب عدم ارتدائهن الحجاب. ثمة أسئلة كثيرة يمكن تسليط الضوء عليها، وقد أحسن مركز المسبار للدراسات والبحوث في إصدار كتابٍ قيم بعنوان: «إيران والسياسة الخارجية: خيانة الداخل».
يسبب المركز ظرف إصدار الكتاب بأنه محاولة فهم الكيفية التي تبني فيها «الجمهورية الإسلامية» استراتيجياتها الإقليمية عبر أذرعها السياسية والعسكرية والاقتصادية والمذهبية، التي قامت بمراكمتها منذ وصول «الملالي» إلى السلطة على أنقاض نظام الشاه. لقد قادت إيران جبهات عدة في مجالها الحيوي من أجل تثبيت نفوذها والدفاع عما تسميه مصالحها القومية، وأفادت من بعض الشيعة في عدد من الدول العربية تحت حجة «المظلومية والتمكين» مما أدى إلى زعزعة استقرار هذه الدول مع استخدامها لوكلاء محليين وإقليميين ولمجموعات ومنظمات مسلحة عابرة للحدود. إن عمل طهران على تثبيت نفسها كـ«قوة إقليمية» في جغرافيا مضطربة أدى بها إلى دفع تكاليف باهظة ليس على المستوى الخارجي فحسب، وإنما في الداخل أيضاً، وذلك مع ارتفاع حجم كتلة الاعتراض الشعبي على هدر مقدرات البلاد على النفوذ الإقليمي. ولعل «الحراك الاحتجاجي» الذي شهدناه أواخر عام 2017 يقدم دليلاً على الأوضاع الاقتصادية السيئة، مع أخذنا في الاعتبار معدلات البطالة والفقر المرتفعة، التي تصدرت لائحة مطالب المحتجين.
سأعرض لأبرز بحوث الكتاب. الباحث الإيراني ضياء ناصر - مختص بالشؤون الإيرانية - سعى في هذه الدراسة إلى البحث في التغييرات التي قد تؤدي إلى الانهيار الداخلي للنظام الإيراني، وأدلة تلك التغييرات وأسبابها وأنشطتها ونتائجها وانعكاساتها. فيتناول الأسس النظرية للتدخلات الإقليمية الإيرانية، وأساليبها وتكلفتها. كما يتطرق إلى ردود الفعل داخل إيران، وإلى شرارة الاحتجاجات فيها، ويجيب عن سؤال: «من هم المحتجون؟».
ويرى أن سياسات إيران في منطقة الشرق الأوسط وخارجها حملت الدولة والشعب أموالاً طائلة؛ ومع وجود وسائل الإعلام الحديثة وشبكات المعلومات الدولية وإمكانية إتاحة المعلومات للجميع وعدم احتكار الدولة لها، طرح الشعب الإيراني هذا السؤال: «لماذا ينبغي أن تنفق ثروات البلاد على مغامرات الحكومة الخارجية؟... ولماذا السياسات الخاطئة تسفر عن انهيار قيمة العملة المحلية وإفقار الشعب واتساع الفجوة بين طبقات المجتمع؟». ويشير إلى أن الفساد المستشري أصاب بين مسؤولي الحكومة والبنوك والمؤسسات المالية التابعة للحكومة أو «الحرس الثوري»، وكذلك احتكار مشاريع الإنشاء والتعمير بمقر «خاتم الأنبياء للإعمار» التابع لـ«الحرس الثوري»؛ أصاب الشعب الإيراني باليأس من المنظومة الحاكمة في إيران. تلك المنظومة التي تودي بحياة شبابهم في سوريا، وتقضي على رؤوس أموالهم وتفقرهم وتزيد عوزهم وتسقط احترام العالم لهم، وتتعدى على حقوقهم وحرياتهم البسيطة والأساسية. ويرى أن استغلال الدين والمذهب كأداة لتحقيق الأهداف السياسية جعل الشعب لا يثق ولا يهتم بمعتقداته الدينية.
الخلاصة أن النظام الإيراني ذاق من السم نفسه الذي أطعمه الشعوب المرهقة في سوريا والعراق ولبنان واليمن، صحيح أن سقوط النظام أمر مستحيل، ولكن النظام قبل هذه الهزة لن يكون كما بعده.