أحمد شوبير
TT

عجائب وغرائب المونديال

من عجائب الكرة وغرائبها الجميلة... الأرجنتين التي صعقت من الأخضر السعودي في ضربة البداية تنتفض، وهي الآن طرف في ربع النهائي، بل وتتصدر الترشيحات على المنافسة على اللقب بعدما «فاق» ميسي وقاد منتخب بلاده إلى هذه المرحلة المهمة من المنافسة بالفوز بهدفين لهدف على أستراليا، في الوقت الذي خرج فيه المنتخب السعودي من الدور الأول بعد أن كانت طموحات عشاقه قد طالت السحاب.
ألمانيا المرشح الدائم للبطولة... تخرج من أصغر أبوابها... وهذه متعة الكرة... ومع الأرجنتين، انترعت هولندا بطاقة التأهل لربع النهائي بثلاثية مقابل هدف في مواجهة الولايات المتحدة... وقبل هاتين المواجهتين ومع قراءة سريعة لعناوين دور المجموعات، كان المونديال قد أباح بكثير من أسراره، وكل ما أباح به إلى الآن يؤكد أن في جعبته المزيد والمزيد.
صحف ألمانيا تصف ما جرى بالخزي... الكاميرون يهزم البرازيل رغم عدم تأهل أبناء إيتو... كوريا تتلاعب بمشاعر البرتغاليين... غانا تدفع كافاني لضرب معدات الڤار في ممر الملعب بقبضته ليسقطه أرضاً، بعدما فشل في التأهل على حساب المنافس فخرج بمنتخبه من الباب الصغير، ثم قبل هذا وذاك، أسد أطلس يزأر بقوة ويكشر عن الأنياب متأهلاً كأول مجموعته الصعبة على حساب بلجيكا وكندا، تصحبه كرواتيا وصيفاً للمجموعة.
من كان يتوقع كل هذا الزخم وكل هذه التفاصيل التي رسمت كل تلك السيناريوهات العجيبة؟
النجاحات المدوية للمنتخبات الآسيوية والأفريقية نقطة تحول كبيرة في دوائر اللعبة الكبرى... اليابان هزموا ألمانيا وإسبانيا... أستراليا أطاحت بالدنمارك... والسنغال تأهلوا مع هولندا... كلها مقدمات لبناء جسر أكبر من الطموحات خصوصاً العربية، التي تدفع حتماً إلى اتساع دائرة الآمال بكون العربي قادراً على خطوات أكبر وأوسع جداً في النسخ المقبلة للمونديال، بعدما نجحوا في ضرب ثوابت الوهم الأوروبي وزعزوا مسلمات الخروج المبكر ومفاهيم الاكتفاء بالتمثيل المشرف، بل وغيروا من خريطة البطولة شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً... وأجبروا العالم على تقبل فكرة «الممكن العربي» التي كانت في عصور قريبة مستحيلة ودرباً من دروب الخيال.
النسخة المقبلة سيرتفع عدد المنتخبات إلى 48 منتخباً وفرص التأهل ستزيد، وفرص المنافسة ستكون أكثر وأكبر، خصوصاً مع انتهاء عصر النجم الأوحد الذي لم يكن حضوره مؤثراً في هذه النسخة المونديالية - باستثناء ميسي الذي لا يزال يصنع الفارق مع كتيبته - لكنْ... لوكاكو، ديبروين، كافاني، سواريز... وآخرون كانت تنعقد عليهم الآمال... منهم من حاول... ومنهم من جاء وعاد دون أن يشعر أحد... وهو ما يعني أن النسخ المقبلة ستشهد غزواً عربياً وأفريقيا أكبر وأقوى بمزيد من التخطيط والعزيمة والإصرار... وربما يتصدر نجوم عرب المشهد المقبل... ولِمَ لا وعندنا حكيمي وزياش... وسالم الدوسري... والخزري الذي اختار التوقيت المناسب للاعتزال دولياً؟ وسيكون معهم بمشيئة الله محمد صلاح الذي يسعى بكل قوة للحاق بالركب العالمي في نسخة قد تكون أشبه بالفرصة الأخيرة التي نتمناها تاريخية له ولمنتخب مصر بإذن الله.
إجمالاً... كل الشواهد والطرق تؤدي إلى انتهاء «عقدة الهيمنة الأوروبية أو اللاتينية» للبطولة الأهم والأغلى والأكبر كروياً على مستوى العالم... تذويب الفوارق النفسية والمعنوية وشحنات الطاقة الإيجابية وحالة التجرؤ المشروع في مواجهة القوى العتيقة كفيل بتحول دفة الأمور كافة فوق ساحات المنافسات لنرى أبطالاً جدداً، ومفاجآت مدوية لم تكن أبداً في حسبان أحد، لتبقى المستديرة ساحرة في كل أحوالها كلما حاولت توقعها مرة... أتتك من حيث اللامتوقع ألف مرة.
ونحن على أعتاب المراحل الفارقة في منافسات المونديال بنسخته العربية 2022، وبعد أن تجاوز منتخب هولندا نظيره الأميركى في دور الـ16 دون عناء، ثم تخطي ميسي ورفاقه مطب أستراليا... نقف دوماً على شغف انتظار مزيد من أسرار المونديال العربي الجميل الذي غير كثيراً من مفاهيم الكرة وأشياء أخرى في طبعة مختلفة جداً رشيقة للغاية أنيقة حتى درجة لفتت كل الأنظار من كل صوب وحدب إلى تلك الروح العربية بكرمها وأخلاقها وابتسامتها وحبها للحياة والناس وذراعيها المفتوحتين دائماً بالمودة للجميع، تحت شعارات التسامح والرقي والتعارف وقبول الآخر، بل وإكرامه أينما حل أو رحل.
لذا فإنني على يقين أن الألمان الآن يعيشون أسوأ فتراتهم، لا على الصعيد الكروي فحسب... بل على الصعيد الفكري أيضاً... فها هم وقد رفض العالم السوي كله محاولتهم الفاشلة ضرب الفطرة البشرية في مقتل في عز شمس ووضوح نهار الإنسانية التي تتصدى فطرياً لمثل هذه المحاولات الملونة المتلونة... ولعلهم الآن يعضون الأنامل من الغيظ على مآلهم المخزي الذي تجاوز حد كرة القدم وخرج بفعلتهم إلى دوائر أوسع من الاستنكار والرفض الكامل فعادوا إلى بلادهم يجرون أذيال الخيبة... وكأن خروجهم المذل - كما وصفوه هم - كان انتقاماً قدرياً من فئة أرادت العبث في ملامح الفطرة السليمة، وهي محاولة مآلها حتماً إلى خزي، وأصحابها حتماً إلى خذلان!!