زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الفنون والنقوش الصخرية في جبة

تعد النقوش والفنون الصخرية من أهم اللقايا الأثرية بالنسبة للأثري، يستطيع من خلالها نحت صورة شبه كاملة للمكان سواء الذي استوطنه الإنسان أو مر فقط به خلال ترحاله، ودائماً ما أنبه أبنائي طلبة الآثار إلى أن تلك النقوش والفنون الصخرية ليست مجرد دليل أثري على وجود نشاط بشري، بل إنها لغة تخاطب إنسان العصور القديمة معنا نحن الأثريين.
وتعد المملكة العربية السعودية متحفاً مفتوحاً يضم الملايين من النقوش والفنون الصخرية في شتى أنحاء البلاد سواء كانت على أسطح الجبال القريبة من حدود المملكة الغربية والجنوبية أو حتى أسطح الصخور في الجبال الواقعة في قلب صحاري المملكة، التي يعتبر مجرد الوصول إليها وتوثيقها ونشرها ضمن سجلات التراث الوطني للمملكة من الأعمال التي تحسب لهيئة التراث والتي نالت استحسان وإعجاب المحافل العلمية الدولية في كل مكان بالعالم.
ومن أجمل النقوش والفنون الصخرية تلك الموجودة بموقع جبة إلى الشمال الغربي من مدينة حائل، وعلى بعد 100 كلم داخل الجزء الجنوبي لصحراء النفود. والمكان عبارة عن سهل بحيرة قديمة منخفض، تحيط به الرمال من جميع الجهات، وقد غطت الرمال أجزاء واسعة منه. ويمتد على الطرف الغربي لسهل جبة سلسلة من جبال الحجر الرملي تحتوي على الكثير من الكهوف الصخرية الطبيعية والينابيع.
تشير الدراسات البيئية للموقع إلى أن البحيرة القديمة كانت تختزن كميات كبيرة من المياه العذبة ونمت حولها أنواع مختلفة من الأشجار والنباتات، وبالتالي كانت مصدر جذب للجماعات البشرية وأنواع مختلفة من الحيوانات التي كانت المصدر الرئيسي للغذاء بالنسبة للإنسان الذي عاش بالمكان قبل عشرة آلاف سنة إلى جانب ما توفر له من فاكهة برية. وظلت جبة مصدر المياه الوحيد في الصحراء الكبرى بعد أن سادت الظروف المناخية الجافة، وبالتالي ظلت منطقة جذب للاستيطان البشري على مر العصور.
يعد موقع جبة من أهم وأكبر وأقدم مواقع الفنون الصخرية في المملكة العربية السعودية. ويضم الموقع نقوشاً وعناصر فنية لأشكال آدمية وحيوانية منتشرة في جبل أم سنمان، وفي الجبال القريبة منه (غوطا، وعنيزة، والغرا، ومويعز، وشويحط)، وتعود تلك الفنون الصخرية إلى ثلاث فترات زمنية مختلفة، أقدمها وأهمها ما يعرف بنمط جبة المبكر الذي يعود إلى منتصف الألف السابع قبل الميلاد، ويتميز الموقع بنحت لأبقار ذات قرون طويلة وقصيرة مصاحبة لأعداد من العناصر الآدمية، نفذت بالأسلوب التخطيطي وبأسلوب الأشكال الآدمية المكتملة. أما الفترة الثانية فهي ما يعرف بالفترة الثمودية التي تؤرخ ما بين 1700 و2500 سنة من الوقت الحاضر. وتتميز بنحت الإبل والخيول والوعول وأشكال شجر النخيل إلى جانب النقوش الكتابية الثمودية. وآخر تلك الفترات القديمة هي فترة ما يعرف بالفترة العربية التي يميزها نحت الآدميين راكبي الإبل والخيول والقوافل المحملة بالبضائع.
وقد تم مؤخراً اكتشاف فترة زمنية رابعة أحدث تعود إلى العصور الإسلامية، وتمثلها تلك الكتابات الكوفية المدونة على بعض الأحجار المتساقطة من جبل أم سنمان، التي في مجملها آيات قرآنية وأدعية مؤرخ إحداها بشهر رجب سنة 147 من الهجرة.