د. ياسر عبد العزيز
TT

«تويتر»... والرجل الذي يحمل «المغسلة»

يُقدم الملياردير الأميركي إيلون ماسك إلى العالم بوصفه أثرى الأثرياء قاطبة، وكثيرون يعرفون أيضاً أنه مُبتكر ورائد أعمال مُبدع ومغامر، ومع ذلك فإن تلك ليست كل مميزاته؛ فالرجل يعرف أيضاً كيف يكون موضع الاهتمام، ويدرك تماماً ما يتوجب عليه فعله لكي يبقى على رأس أولويات الأخبار، وفي صدارة انشغالات الناس.
يرى البعض أن صورة ماسك في عالم المال والأعمال هي المعادل الموضوعي لصورة دونالد ترمب في عالم السياسة، أو كاني ويست في عالم الفن، حيث ستكون القدرة على تحقيق النجاح وتسجيل الاختراقات موازية تماماً لنزعات إثارة الجدل والشغف بالبقاء تحت الضوء.
كان من الممكن أن تُنجز صفقة «تويتر» قبل ستة شهور من الآن، وكان من الممكن أن يكون سعر الشركة أقل كثيراً مما دفعه ماسك (44 مليار دولار أميركي)، لكن هذا الأخير استثمر جزءاً من هذا المبلغ الكبير في تدعيم مكانته على صعيد الشهرة العالمية، وعلى مدى تلك الشهور الستة كان رجلاً مميزاً في الأخبار، وقد حدث هذا في مساحة امتدت من اليابان إلى الولايات المتحدة.
بدأ ماسك شغوفاً بـ«تويتر»، ثم عرض صفقته التي قبلتها الشركة، قبل أن يعود ليشكّك في المعلومات التي قدمها مسؤولوها عن عدد الحسابات الوهمية، ثم أعلن تراجعه عن الصفقة، ليدخل نزاعاً قضائياً، وقبل استنفاد المهلة التي مُنحت له لإنجاز الاتفاق بساعات، امتثل للأمر القضائي، وأتم عملية الاستحواذ.
سيدخل ماسك إلى مقر شركة «تويتر» التي استحوذ عليها للتّو حاملاً «حوض مغسلة»، وستكون نشرات الأخبار الجادة في معظم فضائيات العالم المرموقة معنية بإذاعة هذا المشهد، الذي سيتصدر صفحات الأخبار، وسيتداوله مئات الملايين من مستخدمي وسائط «التواصل الاجتماعي» على المنصات الرائجة.
يا له من مشهد مثير! أغنى رجل في العالم يدخل إلى مقر الشركة التي استحوذ عليها للتّو حاملاً «حوض مغسلة»، وستكون العناوين في المصادر الإخبارية كلها متشابهة على هذا النحو: «لماذا يحمل ماسك حوض مغسلة؟»، وستكون الإجابة كما يلي: لكي نسأل هذا السؤال. سيدخل ترمب على الخط بطبيعة الحال، وسيقول إنه سعيد لأن «تويتر» بات في أيدٍ عاقلة، وهو يقصد أن القائمين على الشركة، والذين حظروه سابقاً، ليسوا سوى «مجانين»، وهو استخدم هذا الوصف حرفياً على أي حال.
«تويتر» وسيلة اتصال عالمية، لكن أثره متفاوت بحسب السياقات التي ينشط فيها، ورغم أن عدد مستخدميه أقل من معظم منافسيه الكبار، فإنه يظل الأعظم قيمةً حين نتحدث عن تأثيره السياسي؛ إذ يستقطب «تويتر» اهتمام السياسيين بالأساس، وقد أضحى منصة اتصال سياسي كاملة الأركان، وعبره يتم إعلان أخبار حيوية وذات طبيعة سيادية، ويفجر القادة المفاجآت، حتى إن ترمب نفسه سبق أن قال: «لولا (تويتر) ما أصبحت رئيساً».
على «تويتر» ينشط الصحافيون والمصادر الإخبارية والمهتمون بالسياسة، وأكثر الجوانب جديةً من بين انشغالات مستخدمي وسائط «التواصل الاجتماعي»، وهو أيضاً يسهم بنسبة واضحة في إرساء الأولويات العامة، ويحدد بدرجة ملحوظة اتجاهات الأطراف الفاعلة في الشأن العام.
يغطي «تويتر» العالم، ويركز على نخبته، ومع ذلك فإنه موضوع أميركي بامتياز، وقد كان له تأثير واضح في التطورات السياسية الكبيرة التي شهدتها الولايات المتحدة منذ انتخابات 2016، وما زال.
تقول الصحف العالمية الرصينة، إن «تويتر» مع ماسك دخل مرحلة من «عدم اليقين»، وهو أمر ليس من السهل إثباته، فما سيفعله ماسك يبدو واضحاً؛ إذ سيستخدم المنصة لتحقيق هدفه الأثير؛ أي البقاء في الضوء، وسيتجنب الخسارة؛ لأنه رجل أعمال بارع يعرف كيف يولد الأرباح، وسيُسخّره لخدمة خطه السياسي، الذي يبهج المحافظين، ويريح ترمب، ويزعج اليسار والديمقراطيين.
لا ينشغل ماسك كثيراً بما يحدث في أوروبا، ولن يزعج الأوروبيين على الأرجح، رغم أنهم أظهروا الارتياب، فحين قال إن «الطائر أصبح حراً»، ردّت عليه المفوضية الأوروبية بحسم: «لكنه سيطير في أجوائنا وفقاً لقواعدنا»، وهو أيضاً لم يظهر اهتماماً كبيراً بقضايا ونزاعات دولية مثيرة للاهتمام؛ إذ يبدو أن تركيزه الكبير سيبقى مُسلطاً على الأوضاع في بلاده.
سيجري ماسك تغييرات مهمة في عمل المنصة، وسيسعى إلى تقليل القيود التي تفرضها على المحتوى المُتداول عبرها، لكنه كما قال «لن يتجاوز القوانين»، وسيلتزم إلى درجةٍ ما باشتراطات المحتوى المُتفق عليها، مع ميل يخدم نزعاته التي نعرفها في قضايا السياسة، وبعض الموضوعات الاجتماعية المثيرة للجدل. وعلى الأرجح، فإن «تويتر» سيبقى مُهماً للسياسة الأميركية والعالمية، وسيواصل دوره في المشاركة الفعالة في إرساء أولويات العالم.