إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

كومبارس مع بينوش

هبط الإعلان في صفحتها مثل عشرات تصل إليها على موقع التواصل. كادت تمر به مرور الكرام لكنّ اسماً فيه استوقفها. قرأت المنشور بدهشة وشيء ما يدغدغ روحها. مطلوب نساء ورجال تتراوح أعمارهم بين 16 و90 سنة للظهور في فيلم «التلميذ» للمخرج كريستوف هونوريه مع جولييت بينوش. توقفت عند اسم الممثلة ولم يكن مهماً ما ورد في بقية الإعلان.
والاسم يحيل إلى وجه وملامح وشعر داكن وعينين تضحكان. كانت قد شاهدتها في «عشاق جسر بون نوف» وارتاحت لها. هذه ممثلة تخفي وراء ضلوعها حقلاً من النرجس. راحت تترقب أفلامها. ورأتها في «ثلاثة ألوان: أزرق» وازداد إعجابها بها. ثم جاء «المريض الإنجليزي» وانبهرت. خرجت من عرض الساعة السادسة وعادت إلى الصالة في العرض التالي لذات الفيلم. أما الضربة القاتلة، الفاتنة، فكانت مع فيلم «شوكولا». لم تكن جولييت بينوش تؤدي دوراً بل حلاوة تسيل على الشاشة.
وها هو الإعلان على هاتفها. تسارع إلى تصوير الشاشة وتحفظه مع المحفوظات. تعود إلى قراءته أكثر من مرة. ليس بين شروطه ما لا ينطبق عليها. صحيح أنها تجاوزت سن السادسة عشرة منذ أجيال لكن بينها وبين التسعين مسافة. سيجدون لها مكاناً في المعمعة. هل يمعمعون في أفلام جولييت؟ الشرط الآخر يناسبها أيضاً: أن يكون المتقدم من سكان العاصمة وضواحيها. والثالث: لا يهم الأصل ولا الملامح. وأخيراً يحدد الإعلان الفترة المقررة للتصوير الذي يستغرق يوماً أو بضعة أيام، مقابل 105 يوروهات لليوم.
لم تتردد. ستتقدم وتجرب حظها. لم تحاول يوماً أن تكون ممثلة وتمنت لو كان لها صوت يُطرب. تجرأت وكتبت في سيرتها الذاتية أن من هواياتها المطالعة والرقص الشرقي. حافظت على الأولى ولم تعد تقوى على الثانية. تكتفي بالفرجة. تذهب إلى أفلام أيام زمان وتؤدي التحيّة لتحيّة. لن يطلبوا منها أن تهزّ وسطها في الفيلم الفرنسي. لا تريد مجداً متأخراً ولا مكافأة. كل ما تطلب هو أن ترى جولييت بينوش وتسلّم عليها. تتبادل معها النظرات إذا عزّ الكلام.
حفظت سيرة حياة الممثلة. تعرف أنها ابنة أب وأم اشتغلا في التمثيل. وهي مثلهما، درست هذا الفن في الكونسرفاتوار الوطني للفنون الدرامية. تركت الدراسة لأن المنهاج لم يعجبها وانتقلت إلى مدرسة أخرى. وقفت على المسرح وأدت أدواراً صامتة وظهرت في إعلان شهير للعلكة. شاهد المخرج غودار صورة لها واختارها لدور صغير في «السلام عليك يا مريم». مساحة الدور قصيرة لكن العمل مع المخرج الفذ استغرق ستة أشهر.
ردت على الإعلان وأرسلت ثلاث صور ملونة حديثة لها؛ واحدة سيلفي واثنتان بكامل القامة. كتبت اسمها ولقبها وتاريخ ميلادها وطولها وعنوانها ورقم هاتفها. وبعد أيام وصل إليها الجواب: تفضّلي بالحضور في المكان الفلاني والساعة الفلانية. لبّت الدعوة وكلها لهفة. ارتدت معطفها الأخضر ورفعت شعرها فوق رأسها. أخذت معها وشاحاً شرقياً، عسى ولعل.
استغرق التصوير ثلاثة أيام؛ الأول كان مرهقاً بسبب ساعات الانتظار، والثاني كان مطيراً وهي ترتجف وتسعل وتمخط، وفي الثالث انتهى العمل قبل الظهر وطلبوا من حشد الكومبارس الذهاب إلى غرفة المحاسب، مع رقم الضمان الاجتماعي، لتلقي المكافأة. وجولييت؟ ألن تراها وتقرأ لها قصيدة الإعجاب؟ بحثت عن الشابة مساعدة المخرج وسألتها بلطف أتقنته في الغربة: «هل يمكن أن أرى مدام بينوش من فضلك؟ أنا من جمهور عربي عريض معجب بها». يا للخيبة. أنهت بطلة الفيلم تصوير مشاهدها منذ الصيف الفائت.