مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الموت المجّاني

صدق من قال - بما معناه -: إن النار قد تأتي من مستصغر الشرر، وهذا صحيح، فمعظم الحروب التي ذهب فيها ضحايا بطريقة مأساوية (مجانية)، كل أسبابها كان من الممكن احتواؤها - وليس هناك مشكلة إلا ولها حل، لو كان هناك بصيرة - وليس شرطاً أن الضحايا هم دائماً بسبب الحروب، وإليكم بعض النماذج التي تؤكد أحياناً أن (العالم ليس عقلاً)، منها مثلاً:
غرق ما لا يقل عن (95) شخصاً في البحر، وأكثرهم من اللبنانيين والسوريين الذين خاطروا بالهجرة إلى أوروبا للبحث عن الحياة الكريمة، بدلاً من الفقر والبطالة والظلم في بلادهم.
حتى الرياضة التي ليس فيها أي أسلحة، ويفترض أن لاعبيها يتحلون (بالروح الرياضية)، خالفت هذه القاعدة، وراحوا يخبطون خبط عشواء.
ففي مباراة قديمة لكرة القدم بين الأرجنتين والبيرو، عصف الخلاف بين اللاعبين وامتد إلى المتفرجين، فدب الذعر وهاجت الناس، وأدى ذلك إلى قتل 290 وجرح ما لا يقل عن 800 شخص جراء التدافع.
وآخرها يوم السبت الماضي لقي 174 حتفهم، وجرح ما لا يقل عن 180 شخصاً في ملعب كرة قدم في مدينة (مالانغ) بإندونيسيا - وكل فريق يريد أن ينتصر - ولسان حاله يقول: (أنا ومن بعدي الطوفان)!!
بل حتى التبرعات والأعمال الإنسانية لا تخلو من الصراع أحياناً، ففي بنغلاديش قام مصنع (كاندا) بتوزيع فائض الملابس مجاناً على المحتاجين، ونظراً لانتظار المتكدسين أمام الأبواب من الفجر، فما أن فتحت الأبواب حتى تدافعوا ومات (المئات) أكثرهم من النساء دهساً بالأقدام من الرجال أصحاب العضلات.
حتى (الرومانسية) تذهب أحياناً في خبر كان، ففي المهرجان السنوي الذي يختار فيه ملك (سوازيلاند) زوجات جديدات له، تقاطرت الفتيات الجميلات من كل حدب وصوب للوصول وحضور المهرجان، وكل واحدة منهن تمني نفسها بأن تكون من نصيب الملك، وذكرت التقارير أن الفتيات كن محشورات على متن شاحنتين مفتوحتين تسيران على طريق سريع، فانقلبت الشاحنة الأولى واصطدمت بها الشاحنة الثانية، وقتل في الحال 38 فتاة، وجرح أكثر منهن - آه (يا لهوي) عليهن.
أما الحادثة التي كاد يغمى علي عندما عرفت دوافعها وملابساتها، فقد حصلت في أفغانستان، عندما أطلق مصلون النار على حمار وقتلوه عندما حاول دخول المسجد، وبدوره أطلق النار عليهم صاحب الحمار، وقتل 13 منهم، بعدها هاجم المصلون قرية صاحب الحمار بالأسلحة الثقيلة وقتلوا 39 شخصاً، منهم 31 امرأة و4 أطفال.
هل تصدقون أنني لم أترحم إلا على النساء والأطفال، ومعهم الحمار كذلك!