بارمي أولسون
TT

«ميتافيرس»... فضاء لا حدود له وأَسرٌ في المكتب

من المتوقع أن يعلن مارك زوكربيرغ في غضون أسابيع قليلة عن ابتكار سماعة رأس جديدة للواقع الافتراضي من إنتاج «ميتا بلاتفورمس إنك». الغريب في الأمر أننا علمنا بالفعل كيف ستبدو تلك السماعة بعد انتشار مقطع فيديو للجهاز الجديد بشكل واسع عبر الإنترنت، بعد أن عثر شخص ما على تلك السماعة في غرفة بأحد الفنادق. ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون ذلك مهماً لأن سماعات الواقع الافتراضي باتت مصدر إلهاء أكثر من اللازم، وليست جزءاً من النمو المبكر لما يسمى «ميتافيرس»، وهو إصدار ثلاثي الأبعاد من الإنترنت يرى الكثيرون أنه يمثل الفصل التالي من ذلك العالم بعد أن اتضح أن شاشة الموبايل المسطحة تؤدي المهمة ذاتها على ما يرام.
رغم بيع «فيسبوك» نحو 14 مليون سماعة رأس واقع افتراضي حتى الآن، فقد زار ملايين غيرهم عالم «ميتافيرس» من خلال شاشات ثنائية الأبعاد عادية مثل تلك التي تبحلق فيها الآن عبر تطبيقات مثل «Roblox» و«Forfune» التابعين لشركة «Epic Games Inc. Fortnite». ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه لعدة سنوات مقبلة، حيث تستغرق سماعات الواقع الافتراضي وقتاً لتقليص الحجم والسعر.
غير أن هذا يضع زوكربيرغ في موقف حرج. فهو يريدك أن تشتري سماعة «ميتا»، المعروفة باسم «Quest»، لأن ذلك يمنحه تحكماً أكبر في أي سوق من أسواق «ميتافيرس» قد يشرع في بنائها بالمستقبل. والسبب واضح وهو أنه استمر لسنوات مقيداً بقوانين بوابات تطبيقات مثل «ألفابيت» و«أبل إنك»، ودفع رسومهما واتباع بروتوكولاتهما التي ستخصم نحو 14 مليون دولار من مبيعات إعلانات «فيسبوك» العام الحالي.
ستكون خطوة مؤلمة بالنسبة لـ«فيسبوك» أن يجعل منصته «Metaverse Horizon Worlds» متاحة في متاجر التطبيقات. لكن ربما هناك طريقة أخرى أبسط تجعل «فيسبوك» يسمح للأشخاص بزيارة منصته عبر متصفح بسيط.
تستخدم خدمة «Stadia» التابعة لـ«غوغل» خدمة تسمى البث عبر السحاب التي تتيح للأشخاص تشغيل ألعاب الفيديو الكبيرة عبر «Chrome»، لكنها عملية باهظة الثمن وتتطلب خوادم قوية، لكنها يمكن أن تساعد «فيسبوك» في التحايل على «أبل» و«غوغل» بينما تجذب أعداداً ضخمة من المستخدمين الجدد الفضوليين. وقد لمّح رئيس قسم التكنولوجيا في شركة «ميتا»، أندرو بروسورث، في وقت سابق من العام الحالي عبر «تويتر» إلى وجود نسخة على شبكة الإنترنت من خلال البطاقات، لكن المتحدث باسم الشركة رفض تقديم مزيد من التفاصيل.
في هذا الصدد، قال سام هوبر، الرئيس التنفيذي لشركة «LandVault» العقارية الناشئة، إن «ميتافيرس ستكون نسخة ثلاثية الأبعاد من (فيسبوك) تبدو كأنها لعبة، لكنك ستتصفحها من الكومبيوتر العادي (ديسك توب). ويمكن أن تصبح اللعبة الأكثر شعبية في العالم».
حتى تلك الشعبية المتواضعة من شأنها أن تطمئن المستثمرين المحتمل رفضهم لبطء نمو عملاء سماعات الرأس الخاصة بالشركة، حيث زار نحو 300 ألف شخص «هورايزون وورلدز» منذ إطلاقها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لأنه ببساطة لا يمكنك الوصول إلى المنصة إلا من خلال سماعة الرأس «Quest 2».
في هذا الصدد، قال واغنر جيمس، المؤلف والمدوّن الذي غطى أخبار «ميتافيرس» لأكثر من عقد: «يبدو أن (فيسبوك) يعمل انطلاقاً من مغالطة تكلفة باهظة، إذ لا توجد بيانات لدعم سماعات الواقع الافتراضي باعتبارها جهاز السوق الواسعة».
في الواقع، تعد الإصدارات المسطحة من «ميتافيرس» أكثر شيوعاً من الإصدارات ثلاثية الأبعاد، فنحو ثلاثة أرباع زوار «Roblox» البالغ عددهم 52 مليون زائر يومياً، يستخدمون الهاتف، في حين أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يستخدمون «Minecraft» أو «Fortnite» التابعة لـ«Microsoft Corp» يستخدمون جهاز كومبيوتر عادياً أو هاتفاً جوالاً.
اتجه كثير من شركات «ميتافيرس» أيضاً إلى التوسع عبر الأجهزة المسطحة (ديسك توب). على سبيل المثال، تم تسويق شركة «Decentraland» في تداول الأصول المشفرة باعتبارها منصة واقع افتراضي عندما أطلقت العملة المشفرة الأولى في عام 2017. ومع ذلك، فإن جميع مستخدميها يزورونها عبر الكومبيوتر العادي أو المتصفح، بحسب الشركة.
جرى إطلاق خدمة «VRChat»، وهو نظام أساسي للتواصل الاجتماعي مع الصور الرمزية الأخرى، لأول مرة كتطبيق لسماعات الرأس «Oculus» في عام 2014. وبعد ثلاث سنوات، أنتج إصدار لكومبيوتر «ديسك توب» وكان قادراً على جذب ملايين المستخدمين الآخرين.
في هذا الصدد، قال أرتور سيشوف، مؤسس شركة «Somnium Space» الناشئة التابعة لـ«ميتافيرس»، التي يزورها مستخدموها في الغالب عبر متصفح: «المشكلة هي السعر»، فإذا تكلفت سماعة «Quest 2» من إنتاج «ميتافيرس» نحو 400 دولار، فإن السماعات المنافسة الأخرى يمكن أن تتجاوز 800 دولار.
الدخول إلى عالم افتراضي على الشاشة هو في الواقع عملية قريبة الشبه من الواقع «الحقيقي» وأكثر جاذبية من مكالمة الفيديو العادية، كما اكتشفت عندما أخذني سيشوف في جولة بشركة «Somnium» خلال اجتماع عبر خاصية «زوم». ولأنني لم أكن معه من الناحية الفنية كـ«Avatar» - صورة رمزية - فقد حمل سيشوف أمامه جهازاً لوحياً افتراضياً به «كاميرا» تسمح لي بمتابعة تحركاته في جميع أنحاء المكان الفسيح.
كانت مشاهدته وهو يشير إلى الفن في معرض افتراضي والتنقل عبر الغابات الملونة، حتى على شاشة الكومبيوتر المحمول الخاص بي، كافية لمساعدتي في تخيل نفسي هناك.
وحتى الآن، يركز تسويق «ميتا» على الفوائد الغامرة لسماعات الواقع الافتراضي، ما يخلق شعوراً بأنك حقاً وسط زملاء العمل أو داخل فصل لياقة بدنية. لكن هذا يفتقد إلى نقطة التسويق الحقيقية في «ميتافيرس»، وهي الحوافز لعمل تجارب جديدة، ولست بحاجة إلى سماعة رأس واقع افتراضي لعمل ذلك.
ولجذب مزيد من الأشخاص إلى منصاتها الافتراضية، تحتاج «ميتا» إلى التركيز بشكل أقل على إنتاج سماعات رأس متطورة، والمزيد على محاكاة رواد «ميتافيرس»، مثل «Roblox» و«Fortnite» و«Minecraft».
لقد أنشأ ما يقرب من ربع مستخدمي «Roblox» الملايين من الألعاب للمنصة، ما أدى إلى استحداث سوق للتجارة والمتعة يجري إنشاء جميع محتوياتها تقريباً بواسطة المستخدم، تماماً مثل «TikTok» أو «YouTube»، وهو ما يمثل جزءاً كبيراً من جاذبيتها.
وبالمثل، يجب على زوكربيرغ أن يحول «ميتافيرس» إلى مكان يمكن للمبدعين أن يزدهروا فيه. يبدو أن اندفاع «فيسبوك» الحالي لاختبار الأدوات لمنشئي المحتوى جاء متأخراً، بالنظر إلى مدى تقدم الرواد الآخرين.
إن التركيز كثيراً على التكنولوجيا الغامرة بمثابة وضع العربة أمام الحصان، حيث تحتاج شركة «ميتا» إلى جعل «ميتافيرس» مكاناً سهل الوصول وجذاباً للمبدعين، وسيكون الانتقال إلى الكومبيوتر العادي (سطح المكتب) بداية جيدة.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»